الاقتصاد الأوراسي وسورية.. والبروفسور دوغين وخصومه؟

يكثر الحديث حالياً عن (الأوراسيّة) والبعض يربطها مع  المفكر الروسي ( ألكسندر دوغين ) الصديق الكبير لسورية، وهنا يتطلب مني الواجب أن أتقدم له وللشعب الروسي الشقيق بالتعزية باستشهاد ابنته الدكتورة الباحثة ( داريا دوغين ) بتاريخ 20/8/2022 بعملية تفجيرية إجرامية في ضواحي موسكو، ومعروف أنها كانت تعمل مع والدها في تجسيد معالم ( الأوراسية ) على أسس عصرية أي ليس بالمعنى القديم الذي يجمع القارتين ( آسيا وأوروبا ) وإنما على أسس جديدة هدفها مواجهة التصرفات والمخططات الغربية ( الناتو NATO) للهيمنة على العالم وفرض القطبية الأحادية وأمركة العالم أي ربط الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي وللمصلحة الأمريكية، وأكد السيد دوغين أن نظريته هي البديل للنظريات الثلاث السابقة( الليبرالية والشيوعية والفاشية)، وقد فرضت عليه وعلى ابنته العقوبات الغربية بسبب دعمهما لبلدهما روسيا في العملية الخاصة في أوكرانيا و صنفته مجلة ( فورن  بوليسي ) الأمريكية بأنه ضمن أفضل /100/ مفكر في العالم، وينطلق في رؤيته للأوراسية من ( إنسانية الإنسان ) وفرض قوة المنطق بدل منطق القوة الذي تعتمده الليبرالية الغربية المتوحشة وهي امتداد للاستعمار القديم ، وبرأيه أن الأوراسية تتطلب عودة روسيا بقوة إلى المسرح الدولي لتضمن استقرار العالم انطلاقاً من المنطقة الأوراسية التي تمتد من ( المحيط الأطلسي غرباً وإلى جبال الأورال والمحيط المتجمد الشمالي والهادي  شرقاً، ومن روسيا وفنلندا والنرويج شمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي جنوباً) أي إن سورية في مركز الأوراسية).
وبرأي السيد ( دوغين ) أن الأوراسية تختلف عن الحضارة الأطلسية التي صنعت القوى الإرهابية العالمية مثل ( داعش) وملحقاتها وهي منتج من قبل ( الأطلسيين الأوروبيين والمحافظين الجدد الأمريكيين )، ويؤكد في مقالاته  أن الواجب الطبيعي لروسيا ودول أوراسيا هو التصدي لهذه الحركات الإرهابية لأنها ستصل لأراضيها مستقبلاً إذا لم تواجه بقوة وهذا يتطلب دعم سورية لأن سورية إذا سقطت ستسقط الدول الأخرى وفق مايطلق عليها (نظرية أحجار الدومينو) في الشرق الأوسط وستنتشر الفوضى غير الخلاقة، وبهذا يختلف عن الكثير من الباحثين الغربيين الذين أكدوا  أن الليبرالية الغربية انتصرت وانتصرت معها قيم الحرية والمساواة وأن الديمقراطية الليبرالية هي الصيغة النهائية للحكومة البشرية أي لكل دول العالم، وعبرّ عن هذا الكثير من المفكرين الغربيين ولا يتسع المجال لتناول أفكارهم ، لكن من أهمهم المفكر الأمريكي من أصل ياباني ( فرانسيس فوكو ياما ) في كتابه ( نهاية التاريخ) سنة /1992/ أي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ، و كما كتب ( صموئيل هنغكتون ) وغيره حول صدام الحضارات وأيضاً(برنارد لويس ) الذي أكد أن الصدام  هو بين ( الحضارة الغربية وعدوها الإسلام والمسلمون )…الخ.
هنا لا أريد الدفاع عن البروفسور ( دوغين ) وإنما لأقول رأيي كباحث سوري يخالف بشكل كبير ما تناولته  ( المعارضات السورية ) عنه في قنوات إعلامية مغرضة  وقولته ما لم يقله وقالت به أكثر مما قاله ( مالك في الخمر ) ، واعتمدت بالتحليل الحقد السياسي على الحقائق الاقتصادية، وبرأينا أول ما يجب على الباحث العلمي هو ( الحيادية والموضوعية )، فالأوراسية كيان قائم بذاته ويمتلك مقومات النجاح والفشل ، وبرأيي يمكن أن تملأ الفراغ الأيديولوجي السياسي والاقتصادي العالمي الحالي ، وسأدلل اقتصادياً على ذلك ببعض الحقائق على سبيل المثال وليس الحصر [ إن أكبر معدلات النمو العالمية الحالية  تتحقق من دول أوراسيا – يتزايد يومياً التنسيق الاقتصادي بين مراكز روسيا مثل  روسيا وإيران والصين، فمثلاً تزايدت العلاقات التجارية بين روسيا وإيران في سنة/ 2021/ بنسبة /80%/ وتم تجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية ووصل التنسيق بينهما إلى مناورات عسكرية وإطلاق قمر صناعي مشترك وتوقيع عقود كبيرة بين العملاق الروسي شركة ( غاز بروم ) وشركة النفط الإيرانية ووقعت صفقات اقتصادية كبيرة مع الصين أيضاً و تعتبر من أكبر الصفقات العالمية وبالمقايضة ووصلت لحدود /50/ مليار دولار ،كما أن الآفاق المستقبلية مفتوحة أمام أوراسيا بمفهوم ( دوغين ) حيث تحتوي على أكثر من /70%/ من الموارد العالمية ويسكنها أكثر من /75%/ من سكان العالم وأكثر من /70%/ من موارد الطاقة وفيها الاتحاد الأوراسي الذي ينسق مع منظمة شنغهاي و بريكس وغيرهما وهذه المنظمات تضم أغلب دول المنطقة الأوراسية و أغلب دول عدم الانحياز أيضاً، فالسؤال هل تتحقق رؤية دوغين والمؤيدين له باعتماد آرائهم من قبل مراكز القرار حتى لا تبقى حبراً على ورق، وأقول لكل من سفّه أفكار دوغين عليك قراءتها بشكل موضوعي وأن الاشتراكية لا تصنع بشتم الليبرالية والليبرالية لا تصنع بشتم الاشتراكية ، فهل نسعى لننضم إلى الأوراسية الجديدة؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا