أدركت الآن، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك من تسهر على راحتنا، وتقيت نفسها براحتنا و”بسكوتاتنا”، في ساعات استيقاظها المديدة، كي لا تترك مجالاً للسهو أو الأخطاء مهما كانت صغيرة.. إذ إنها تعمل بالحدّ الأعلى من طاقتها، وحتى لا تقع في أي نوع من زلّات “الطاقة منخفضة”، لا سمح الله، فإنها تستعير جزءاً من طاقتنا، ولو كانت متهالكة، لإتمام واجباتها على أكمل وجه، ونحن بطيب خاطر، وبوجه بشوش تعلوه باستمرار ابتسامة لا تشوبها شائبة، نتبسَّم لها، ونمنحها طمأنينة الرِّضا عن أفعالها المديدة بنا، ولأجلنا، إذ لا يجوز أن نُقابل عطاءاتها المتواصلة، حتى في أعتى ظُلُماتِ الليل، بمجرد استهلاكِنا لمُنجزاتها وإنجازاتها المُبهِرة، بل على العكس ينبغي أن نَرُدَّ لها عطاياها بمزيد من التسليم بقضاء الله وقدره في أسوأ الأحوال، هذا إن لم نُبادِر جماعياً، وطوعاً، بتحويل أنفسنا إلى أسرجة، أو لنقل ألواحاً شمسية في آب اللَّهاب، من أجل أن نمدّها بمزيد من الطاقة للإمعان فيما تفعله بعَظَمة بنا وبأولادنا، ولنا ولهم، إذ إن أقل الواجب يُحتِّم علينا مباركة جهودها في جميع المواسم، فكيف إن كان آخر إنجازاتها سَبَقَ توقعاتنا جميعها، وكان أسرع من كل ما من شأن مُخيِّلاتنا أن ترسمه من تصوُّرات.
هذا الذكاء مُنقطِع النَّظير، والإحساس العالي بـ”أوكتاننا”، والرغبة المستمرة بجبر خواطرنا المُهشَّمة، ينبغي تقديره، والرفع من شأنه إلى أعلى الدرجات، فكيف إن كان الموضوع برُمَّته مِنّا وإلينا؟! كل ذلك يضعنا في موقع الخجالى من أنفسنا، تجاه كل تلك التَّقدِمات، لذا علينا المُطالبة بقوة، وأن نرفع عقيراتنا بالصراخ ما استطعنا، بأن يكفي ما تبذلينه من أجلنا أيتها المتفانية، مع إعلاء صوت رجائنا بضرورة أن تتوقفي عن سفكِ روحكِ أمامنا، نحن أبناءك الضالين، الذين نُمعِن في كوننا “مُستَهْلِكين”، وعلينا أن نتمنى بكل صِدق قلوبنا، أن تتوقفي عن “حِمايَتنا” التي لم نعد نستحقها، ولنعترف أخيراً بأننا بِتنا “مُستَهْلَكين على الآخر” ولا طاقة لنا بعد على تقبُّل عطاياكِ الكريمة.