ما يثير الاستغراب والدهشة في تصريحات بعض مسؤولينا، عن المشكلات والحلول المتعلقة بقضايا الناس، هي اللغة التي يتحدثون بها، والتي يغلِّفها طابع العموم من دون الاقتراب إلى أصل الحل، سواء تعلق الأمر بالقضايا الإنتاجية أم الخدمية، وحتى الإشارة إلى مواقع الخلل والفساد التي تظهر في تفاصيل دقيقة من العمل على اختلافها وتنوعها، وهذا يجعلنا أمام كمٍّ هائل من الأسئلة، تحتاج كثيراً من الأجوبة، التي تضيع بدورها في متاهات لغة العموميات, وهذه مشكلة تعترض عملنا اليومي في معظم مفاصل العمل، إلى جانب مشكلات أخطر يختبئ خلفها الكثير من الإدارات على اختلاف مستوياتها، والأهم الحديث الذي يكسوه ثوب لغة العموميات بداعي الهروب والخوف من المسؤولية المبطنة بمصالح شخصية..
وهذا إن دلّ، فإنه يدل على أنه حتى تاريخه مازلنا نمارس العمل الإداري وفق مفاهيمه الضيقة, وحسابات الورقيات والمراسلات التي تضعف من عملية الأداء وانعكاسها بصورة سلبية على الإنتاج الكلي، والأخطر أن مفهوم الصلاحيات مازال مبهماً لا نستطيع الخروج من منطق المحسوبيات والارتباطات التي تحكمها الأنا الوظيفية المتسلطة بفعل مصلحة الاختيار لهذه القيادات، وما يحمله من استفسارات حول طبيعة التعيين، والثقافة التي ارتبطت بها والتي بات يعرفها الجميع, إلى أن أصبحت عرفاً اجتماعياً هو الغالب، حتى لو كان الاختيار على أساس الخبرة والمعرفة والكفاءة والنزاهة، وكل ذلك من مفاعيل العمل بلغة العموميات، وعدم العمل بلغة التشخيص العلمي والعملي في معظم مفاصل العمل لدى الجهات العامة، وهذه مشكلة كانت موجودة في سالف الأيام، لكنها ترعرعت ونمت أكثر في ظل الظروف الحالية التي يمر بها بلدنا، من حربٍ كونية وحصار اقتصادي ظالم، وما نتج عنها من تداعيات سلبية على واقع العمل والأداء الإداري والاقتصادي، وصولاً إلى معيشة الناس التي أرهقتها لغة العموميات في الحلول, ومع الأسف الشديد أن ظروف الأزمة كانت أرضاً خصبة لنمو هذا الواقع الذي نتحسس مفاعيله على مدار الساعة ليس على مستوى معيشة الناس فحسب, بل في القطاعات المنتجة وهي الحالة الأخطر لحساسيتها, لكونها الداعمة للحالة الاقتصادية العامة, ولاسيما فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي والصناعي وحتى المنتجات الخدمية.
وبالتالي هذه مشكلة حجمها كبير، تحتاج أرضاً خصبة ينبت فيها الحل المناسب, مدعوماً بقوة القرار الإداري الذي يحقق شروط المصلحة العامة، وتغيير جملة المفاهيم المغلوطة حول الصلاحيات، والابتعاد عن شخصنة الوظيفة، وتكريس مفهوم المنفعة العامة التي ذابت في تفاصيل العمل اليومية، وحسابات الفائدة الشخصية, فهل يطول انتظارنا لتحقيق ما نصبو إليه في ظل تشخيصات الأنا، وتوسيع دائرة مفهوم الاستفادة من كل شيء على حساب المصلحة العامة..
Issa.samy68@gmail.com