أوكرانيا والالتحاق بأوروبا.. مسألة صعبة والطرفان غير مستعدين
ترجمة وتحرير: راشيل الذيب:
يبدو أن ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي لم يكن مدعاة لتفاؤل كبير بالنسبة لعامة الأوكرانيين، إذ إن الارتباط بالاتحاد الأوروبي، من الناحية العملية، ثم فترة الترشح هما أكثر أهمية، بل تدميراً من الانضمام النهائي، فهذا هو الوقت الذي تحدث فيه أهم التغييرات في اقتصاد الدولة الحالمة، وعادة، بعد الانضمام النهائي، لن يتبقى لأوكرانيا شيء لحمايته أو المشاركة فيه فيما يسمى بـ”السياسة الاقتصادية المشتركة”!.. وهذا ما تؤكده تجربة أعضاء أوروبا الوسطى في الاتحاد الأوروبي المحكوم عليهم بالبقاء على الهامش.
*** أوروبا أوروبتان!
يجب أن يدرك الأوكرانيون أن مسألة التكامل الأوروبي الأوسع، هي موضع شك عندما تنقسم أوروبا بشكل متزايد إلى كتلتين: منطقة اليورو، التي تعمل تحت رعاية ألمانيا وفرنسا على تسريع وتعميق إنشاء دولة أوروبية فيدرالية واحدة، وكتلة أخرى تحت القيادة البريطانية في ظل وجود محاولات واضحة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي من بعض دول أوروبا الوسطى على الأقل، بما فيها بولندا ودول البلطيق. بالطبع هذه العملية تُجهز لأغراض عسكرية وسياسية فحسب، لا لأغراض اقتصادية. بعد كل شيء، لن يسمح أحد للأوكرانيين بالانضمام إلى المنطقة المتقدمة ذات التكامل الوثيق، لذا لا يمكنهم الاعتماد إلا على اتحاد بريطاني مع بولندا وليتوانيا ورومانيا، ما يعني المشاركة الدائمة للفقر المشترك والحرب الأبدية.
*** التعاون الروسي – الأوروبي
الأهم من ذلك، لقيت مسألة منح «وضع المرشح لأوكرانيا» استحساناً في موسكو، مع التأكيد أن الاتحاد الأوروبي هو تحالف سياسي واقتصادي، وليس تحالفاً عسكرياً. في الواقع، لا توجد مصالح متضاربة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وقد تبين أن التعاون بين الجانبين يحقق النفع المتبادل، خاصة في مجال الاقتصاد والطاقة.
وبغض النظر عن تقنيات الطاقة التي سيتم تطويرها في الاتحاد الأوروبي وكيف يتم تحديد الأهداف المناخية الطموحة، فإنه لا يمكن تحقيق أي من هذا في المنظور الحقيقي من دون استئناف كامل لاستيراد الغاز من روسيا. لا فرنسا ولا ألمانيا ولا إيطاليا مستعدة وقادرة على دعم عقوبات طائشة وحرب تجارية لا نهاية لها. ويمكن لأوروبا، بل ينبغي لها أن تصبح واحدا من المراكز الكاملة لعالم متعدد الأقطاب، وهذا لا يمكن بلوغه إلا من خلال التعامل مع المناطق النائية الطبيعية في أوراسيا. وفي حال رأت أوكرانيا السيادية كلياً، نفسها في بيئة كهذه، فينبغي ألا يشكل هذا مشكلة لروسيا. فمن الواضح أن العلاقات الروسية- الأوروبية ستتحول دائماً، عاجلاً أم آجلاً، إلى التعاون مرة أخرى، فقط بريطانيا والولايات المتحدة هما من يفضل الحرب والعدوان، لذا نأمل أن يدرك الأوكرانيون أن بلادهم لا تقع على المحيط الأطلسي..!
*** «الانضمام »مسألة معقدة للغاية
لطالما وُعِدت دول غرب البلقان بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مقدونيا الشمالية، التي غيرت اسمها في محاولة لتعزيز فرصها في الانضمام إلى الاتحاد، لكن المفاوضات لم تبدأ بعد! كما طلبت مولدوفا، المتاخمة لأوكرانيا، وجورجيا، المتاخمة لروسيا، الانضمام إلى التكتل. ومن المحتمل أن تمر سنوات قبل أن تُمنح الدول الأعضاء الفرصة للموافقة على انضمام كييف، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى أن كييف ستضطر لتنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية للامتثال للقواعد الأوروبية.
ووفقاً للمسؤولين الأوروبيين، فإن عملية الانضمام للاتحاد ستكون طويلة، حتى لو حاولوا تسريع الأمور في ظل ظروف أوكرانيا الراهنة، حتى إن رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا اعترفت بأن قبول أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يمثل تحدياً، إذ سبق وصرحت: «دائماً ما تكون عمليات التوسيع معقدة.. لديك بلدان مختلفة، ومسارات مختلفة، وخطوات مختلفة يجب اتخاذها، وقواعد مختلفة يجب الالتزام بها».
*** الاستعداد غير موجود
الوقت الآن مناسب للتخلي عن التظاهر بأن الاتحاد الأوروبي على استعداد دائم للقبول بأعضاء جدد وهو ما أثبتته التجربة مع دول غرب البلقان إضافة إلى تركيا، لا الاتحاد الأوروبي مستعد ولا أوكرانيا، حتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة فيها، كانت أوكرانيا دولة فقيرة للغاية، حيث كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف مثيله في بلغاريا. فمنذ «اتفاقية الشراكة» لعام 2014 مع الاتحاد الأوروبي، كان التقدم بطيئاً وسط توقف اندماج البلاد في السوق الموحدة لأنها فشلت في تلبية معايير الاتحاد الأوروبي للحوكمة. والحقيقة هي أن أوكرانيا تفتقر ببساطة إلى القدرة على تحمل عبء عضوية الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي الخاصة على استيعاب الوافدين الجدد مع مشكلاتهم الوطنية مشكوك فيها، خاصة بالنسبة للمطلعين على كيفية عمل مؤسسات بروكسل – أي من دون حكومة قوية – في حقيقة الأمر، نظرة واحدة إلى الطريقة التي يكافح بها الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أعضائه الحاليين، عندما يتحدون سيادة القانون ويرفضون توازن الحقوق والالتزامات المتضمنة في الاتفاقية شبه الفيدرالية، توضح هذا الأمر.
عن «غلوبال ريسيرش» ومجلة «بوليتيكو» الأمريكية وموقع «سي إن بي سي» الأمريكي