الملتقى السوري للنصوص القصيرة يحتفي بالنتاج الأدبي للزملاء الصحفيين
بارعة جمعة
إحدى عشرة سنة، وأربع وعشرون فعالية على مختلف المنابر الثقافية، بأكثر من مدينة سورية، واليوم في ضيافة باقة من صحفيي الأدب، ممن أخذوا من (قصارى القول) وأوجز الحديث، وسيلةً للتعبير، بأسلوبٍ لم يكن من السهل على أحد خوضه والعمل به ضمن منحىً أدبيٍّ نشأ منذ ولادة الكتابة نفسها، للتعبير عن عمق المعنى ببضع كلمات مكثفة وصورٍ لأحداث واقعية نقدية وعاطفية.
وأمام جمهور أبو رمانة العريق، المواكب لكلّ ما تقدمه منابر الثقافة السورية، التقى أعضاء الملتقى السوري للنصوص القصيرة برئاسة مديره الزميل “علي الراعي” ورعاية وزارة الثقافة؛ كوكبة من المشاركين في هذه الدورة، التي تمّ تخصيصها للاحتفاء بالنتاج الأدبي للزملاء الصحفيين من مختلف المؤسسات الإعلامية السورية بنصوص شعرية وقصص قصيرة جداً، وبعض الهايكو والكثير من السرد القصصي الممتع من مختلف أنواع الأدب الوجيز.
وبعضٌ من الغاية نسيان التفاصيل والهروب من الواقع بعد الولوج بتفاصيله العميقة، والخروج من الحياة بأقل الخسائر بعيداً عن الخيبات القادمة من الأقرب للقلب، كانت ملجأ الزميل “سامر الشغري” من وكالة سانا، بعد خيباته المتلاحقة من الحبيبة الخائنة التي لم يكن لها سوى الخضوع لمتطلبات واقعها الصعب الذي جعل الكثير من الأصدقاء أغراباً في واقعنا المعاش، حيث نوّع بين الومضة الشعرية، والقصة القصيرة جداً:
“يا قلب لا تبك عليها
فكثرٌ يسعون إليها
وأنت عنها بدار بعدٍ
وهم إليها كراحتيها..”
وفي رحلةٍ مع الألم، تأتيك معاناة الإنسان وحزن الوطن على شكل صور بلا كلمات، كما لقصة الخلود أمام المصاعب لون أخرى في قلم الزميل “عبد الحليم سعود” من صحيفة الثورة، الذي حاكى أوجاع الخيانة، وقلة التقدير من أصحاب القلوب الطيبة، التي اكتوت بنار سعيها للخير دون شعور بالوفاء من أحد.
” في بلادي، بلاد الجرح النازف..
يغني الوجع مواويله الحزينة بلا كلمات…
لماذا يتخلى البحرُ عن عكازه ويعاف وقاره،
ويأتي إلى الرمل زاحفاً كلما عبرت من أمامه حورية…!
مولعٌ أنا بمداعبة النار، يداي لا تحترقان…
الكلمات بردي وسلامي.”
وكان للحروب وقعها الكبير في نفس الكاتب، فكيف إن كان أديباً صحفياً مغرقاً بتفاصيل الحياة ورعونة الواقع الأليم، الذي بعثر الأحبة وجعل لغيابهم ذهاباً دون رجعة وفق تصورات الزميل من قناة التربوية “علي العقباني”، التي لامست شجن المحبين وآلام المواطنين الضعفاء أمام مصاعب الحياة، متفائلاً بصباحٍ جديد وضوء شمس وسط العتمة ينير عتمة الفضاء الواسع الموغل بالشرور والأحقاد.
“الرصاصة…
عبرت صدره
كان ينوي العودة
هناك من ينتظره
الرصاصة ….
حاجز الحياة
أقفلت سبيل العودة..”
ولأفكار الأنثى التي مازالت تعاني القلق ممن تحب، خوفاً من الفقد والعزلة المرعبة، تراودك سردات الزميلة “سلام الفاضل” رئيسة المكتب الصحفي في الهيئة العامة السورية للكتاب، حول طبيعة المرأة التوَّاقة للأمان بعد تجرعها كؤوس الخيبة المتتالية، دون القدرة على نسيان أو تفادي ما وقعت فيه من خيبات متكررة، جعلت لمستقبلها ضبابيةً بلا رؤية واضحة، ونختم معها بهذه السردة الوجيزة:
“فشل الضباب الرمادي الذي كان يتسرب من بين الأصابع، ومن شقوق الجدران، وأسفل الأبواب الموصدة، فشل في حجبهما عني، وحجبي عنهما. رأيتُكَ في تلك الزاوية وأنت في غمرة من حياة، تهرول كقطرة ماء على عنق زجاجة، لم يبق منها سوى خيوط أثرها المتلاشي”. ونُشير أخيراً إلى أنه شارك في هذه الفعاليات كل من الزملاء: لؤي سلمان، ونهلة السوسو..