هل يخجل المسرح السوري من كتّابه؟ 

بديع منير صنيج:

المتابع للحركة المسرحية السورية، سيَتَيقَّن أن الحديث عن أزمة المسرح لا يزال طازجاً، ولاسيما أن جميع المحاولات لتأصيله، بغية الوصول إلى هوية خاصة به، لم تُفلِح، وذلك منذ عصر الرُّواد وحتى زمننا الراهن، وتبقى معظم الاشتغالات والدراسات والتفكير ما هي إلّا تجارب في ذاك الطريق، من دون أن يعني ذلك تأسيس ركائز قوية قادرة على تعزيز مكانته، وتثبيت وجوده على الخريطة الثقافية السورية، وخاصةً في ظل عدم وجود دعم من قبل المؤسسات الرسمية له، مقارنةً مع البذخ الذي تمنحه للسينما مثلاً أو حتى للموسيقا، وكأن المسرح ابن البطة السوداء بالنسبة لها، أضف إلى أن التجارب المستقلة ما زال حضورها بسيطاً، وإن غلب نوعها على كمِّها إلّا أنها لا تزال غير قادرة على ترك أثرها الواضح على المشهد المسرحي السوري.

ولعل أبرز ملامح الابتعاد عن تأصيل أبو الفنون سورياً، هو اعتماد معظم العروض على نصوص عالمية، والعمل على إعدادها بما يناسب الظروف في زمنها المُضارع، وبغض النظر عن نجاح ذاك الإعداد من عدمه، فإن القضايا التي تطرحها، رغم إنسانيتها وشموليتها في كثير من الأحيان، إلّا أنها تعيش غربتها عن الراهن السوري وعن معالجة همومه وآماله وما يمس وجدانه، بحيث نشعر في أغلب الأوقات أن ما يُعرَض على الخشبة أشبه بدوبلاج باللهجة الشامية لمسلسل تاريخي سوري، وحتى وإن تم استخدام اللغة العربية الفصحى فإن الغربة تظل حاضرة بقوة، ولاسيما أن تبييئ تلك النصوص لا يتم بطريقة صحيحة، ومن دون رؤية دراماتورجية واعية لدورها في إعادة بناء الشخصيات والظروف والأحداث بما يتناسب مع الزمن السوري بصيغة المضارع المستمر.

طبعاً، لا تعميم في ما طرحته، ولكن هو الأعم والأشمل فيما يُطرح على خشبات مسارحنا، في حين أن هناك الكثير ممن نجحوا في جعل إعدادهم طازجاً وحيوياً ومعاصراً، لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا لا يعتمد مسرحيونا في عروضهم على نصوص سورية رغم وجود العديد من النصوص الجميلة التي يمكن الاشتغال عليها ومواءمتها زمنياً؟ وما الأسباب التي تجعلهم يُعرِضون عن كل ما يُعزز الهوية السورية لمسرحنا وعلى رأسها النص المحلي؟ وكأن هناك انتقاصاً من الذات، وتقليلاً من قيمة كُتَّاب المسرح، الذين على قلَّتهم، إلّا أن لديهم محاولات جادة، في تحقيق الخصوصية الآسرة، وبناء نصوصهم على أساس معرفة عميقة بالشارع السوري وقضاياه، وتحليل آسر وطروحات على درجة عالية من الحيوية التي يتطلبها المسرح، لكن على ما يبدو أن مزمار الحي لا يُطرِب، كما أن ضعف الميزانيات المخصصة لأبي الفنون عموماً، ولكُتَّابه على وجه الخصوص، تدفع الكثير من مبدعي النصوص المسرحية للتفكير بتحويلها إلى رواية مثلاً، لأنها تحقق لهم انتشاراً أكبر، ومردوداً أعلى، وخاصةً إن نشروها في دور نشر عربية، كما أن جهات مثل الهيئة العامة السورية للكتاب واتحاد الكتاب العرب، لا يدعمون كتاب المسرح، ويتم التعاطي معهم كالمصابين بالجُذام. ربما يعود ذلك لعلمهم بأن المسرح هو الأقدر على التنوير والتثوير والتغيير، وأنه يُشعِل الرغبة بالحوار دائماً، سواء بين عناصره المختلفة، أو بين العرض وجمهوره، أو بين النص المسرحي المكتوب وقرائه.

وبعد كل ذلك يمكننا القول: إن لم يتم الاحتفاء بالنص المسرحي السوري الصافي، الذي يمتلك مقوماته الإبداعية، فإننا سنبقى بعيدين عن الطزاجة المرجوة في عروضنا، وإن بقي الكاتب المسرحي في هوامش الاهتمام، فإننا لن نحصل على نسغ حقيقي قادر على تنمية هوية المسرح السوري وترسيخ أسسها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار