كلُّ النصوص قابلة لأن تُمسرح.. وكلُّ الأماكن قابلة لأن تكون خشبة مسرحية
علي الرّاعي
كل النصوص قابلة لأن تُمسرح، ذلك ما يراه الكثير من النقاد، كما أنّ كل الأماكن قابلة لأن تصير خشبة مسرح، على ما يرى (بيتر بروك) على سبيل المثال، بمعنى؛ حتى تُقيم عرضاً مسرحياً ليس من الضروري أن يتوفر بين يديك نصاً كُتب خصيصاً للخشبة، أي للعرض المسرحي، وليس بالضرورة أن يكون ثمة خشبة مسرحية تقليدية، فربما من أشهر العروض المسرحية تلك المُقتبسة من قصة قصيرة، وربما من رواية، وربما كانت أجمل العروض، أو من أجملها تلك التي عُرضت في أماكن بديلة كالشارع و الرصيف، والحديقة، وحتى على الأسطح.. فثمة إمكانية لإبراز العمق الحركي الدرامي في النص، أي نص، ومن ثمّ القبض على الصرخة التي لم تعبر الصوت، وظلت حبيسة في وجدان كاتب النص، لأنّ في كل نص صرخة ما، حلماً ما، صراع الضمائر بذاتها كافٍ لأن يُجسد على خشبة، رغم كل هذه الوفرة، فالشكوى هي ذاتها: ندرة النصوص، وعدم وجود الخشبة المناسبة، لكن أحد ما لا يلتفت إلى ما يُحيط به من معطيات مسرحية، وهي كذلك متوفرة بمنتهى هذه البساطة…
وعلى ما يرى المؤصلون للحركة المسرحية، – جماعة التأصيل – فإنّ العرض الأول الذي قدمه أبو خليل القباني على أول خشبة مسرحية عربية، كان مُقتبساً عن مسرحية ” البخيل ” لموليير، ومن حينها إلى اليوم، وحركة الاقتباس بقيت هي السائدة في العروض المسرحية السورية، ويُرجع المخرج المسرحي مأمون الخطيب الأمر إلى أنّ أمر اقتباس النصوص المسرحية الغربية، أولاً: لأنّ المسرح – كما هو الأوروبي المُتعارف عليه – فنٌّ مستورد من الثقافة الغربية، وبعدها من الثقافة الروسية (كمنهج أدائي )، ولم نستطع إيجاد نصوص حقيقية تُقارب الهمَّ الاجتماعي السوري بشكله الحقيقي، إلّا فيما ندر، سعد الله ونوس على سبيل المثال .
والخطيب نفسه قدّم لخشبة المسرح عروض: (بئر القديسين) عن نص جون ميلنغتون سينغ؛ و(الأقوى) للسويدي أوغست سترندبرغ، و(تلاميذ الخوف) عن نص لإيفون وولف، و(ليلة القتلة) عن نص خوسيه تربيانا؛ حتى إنّ عرض (زنوبيا ) الشخصية السورية الرائدة، كان عن نصّ الإسباني كالديرون دي لا باركا أسأل، وعن هذا الإغواء في “تبييء” النص الأحنبي؛ يذكر الخطيب: يُغريني بالنصوص الأجنبية؛ قُربها من واقع مجتمعاتها؛ والطرح الإنساني العام الذي في تفاصيل مقولات تلك النصوص، والقدرة العالية على تجسيدها على خشبة المسرح بشكلٍ علمي وإنساني بنفس الوقت، بعكس النصوص العربية التي –على الأغلب – تتجه صوب ” الذهنية ” أي إنها مكتوبة بشكلٍ أدبي بحت يصلح للقراءة، وليس للتشخيص، أو لتنفيذها بشكلٍ عملي على خشبة المسرح .. غير أنّ الحقيقة في الكثير من عمليات “تبييء” النص الأجنبي، يكون فيه الكثير من ” لي لعنق” الإبداع بشقيه الأجنبي والمحلي، ومن ثم الوقوع في التغريب حيناً، وطوراً في تلفيق العمل الإبداعي.. يُشبه الأمر ترجمة قصيدة من الشعر العالمي إلى العربية، فنخسر بذلك متعة جماليات اللغة الأجنبية، كما نخسر قراءة قصيدة حقيقية..
وهنا نذكر أنه حتى القصيدة، كان ثمة الكثير من المحاولات لمسرحتها على الخشبة، وإن كانت أقرب إلى أمسيات شعرية جميلة تتضمن عناصر مسرحية..
وفي مسرح الطفل؛ تبدو الإشكالية مركبة، وتصل حد الكوميديا في تشخيصها، على سبيل المثال يرى الكثيرون من المشغلين في مسرح الطفل، وعلى أنواعه، أنّ مستوى الكتابة في هذا المجال، لم يتغير منذ ثلاثين سنة، ولا أعرف لماذا منذ ثلاثين سنة بالتمام والكمال، أي هل كانت أفضل قبل ثلاثين سنة..؟! ويرون أن أكثر التقنيات محدودة، إذ أنّ أغلبية النصوص لا تحقق شرطها الإبداعي، وهي إما مُقتبسة أو مُعدة، أو هي من حكايات شعبية، كما أنّ معظم من كتب للأطفال هم من داخل العاملين في هذا المجال، وهل يتجرأ أحد على الدخول من خارج هذا الوسط إليه.؟!