الأزمةُ الأوكرانية تعصف بالوضع السياسي في أوروبا وأمريكا

هبا علي أحمد:

أربعة أشهر على العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وأربعة أشهر على دخول الغرب و المجتمع الدولي في دوامة الخروج منها .

صحيحٌ أن في عالم السياسة والصراعات الدولية الكبرى من الصعب توقع نتيجة واحدة، فالباب يبقى مفتوحاً على جميع الاحتمالات، والمشاهد قد تتبدّل لناحية الأطراف الرابحة أو الخاسرة أو لناحية تثبيت أمر واقع حسبما تقتضيه الضرورة، لكن في المشاهد الآتية من الغرب وأمريكا وأوكرانيا على خلفية العملية الروسية وتداعياتها والهجمة الغربية الشرسة على موسكو وطبيعة سير المعركة، ليس سياسياً فقط بل اقتصادياً، تعطي صورة عامة عن الآثار المترتبة راهناً ولحين من الوقت في المقبل من الشهور والأيام ،وهي آثار سلبية على الغرب وأمريكا.

ومع استمرار الضغوط الغربية والأمريكية لمحاصرة روسيا ومحاولة كسب هذه الجولة من الصراع الطويل بين تلك الأطراف، يزداد الحديث عن ارتفاع نسب التضخم داخل الدول الأوروبية، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إذ أعلن كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لين، أنّ تضخماً قياسياً مرتفعاً في منطقة اليورو يثير مخاطر بتغذية «سيكولوجية التضخم»، في إشارة إلى ظاهرة يعدّل فيها المستهلكون والشركات عاداتهم مع توقعهم ارتفاع الأسعار.

كما يزداد الحديث في السياق، ذاته عن الإقبال على شتاء صعب في أوروبا بسبب النقص في موارد الطاقة الروسية، وهنا سيكون القادة الأوروبيون في وضع محرج جداً أمام ناخبيهم، إذ تجرى انتخابات في الاقتصادات الكبرى في أوروبا مع اقتراب الشتاء المقبل، و سيكون نقص الغاز الروسي في المنازل والشركات الأوروبية أكثر حدّةً.

على الخلفية السابقة، ربما نشهد تغييرات سياسية تفرضها حاجة المواطن الأوروبي، ولاسيما مع الحديث عن تدهور متوقع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وسيكون من الصعب تحقيق النتائج المرجوة للقادة الأوروبيين على خلفية عدم الرضا عن الزيادة الحادة في تكلفة الطاقة وأسعار الغذاء وفق التوقعات، وبذلك تكون أوروبا أمام مشهد مغاير للمشهد السياسي التقليدي، وقد يُفسح المجال لقوى منافسة بأخذ مكانها على الساحة، ليست لأنها الخيار الأفضل للناخبين الأوروبيين، بل لأنها قد تتماشى مع تطلعاتهم وحاجاتهم المعيشية، وإن صحت هذه التوقعات، فإن رياح الأزمة الأوكرانية تأتي معاكسةً للسفن الأوروبية.

ولأن العديد من قادة أوروبا بدؤوا يدركون خطورة المقبل على وضعهم السياسي، أشار العديد من المقالات إلى أن الحكومات الأوروبية مجبرة على زيادة الإنفاق لتخفيف الضربة التي يتعرض لها المستهلكون، وهكذا، وافق الرئيس الفرنسي ماكرون على تخصيص 28 مليار يورو لأغراض تهدف إلى الحد من أسعار الغاز الطبيعي وتقديم خصومات على البنزين.

هذا في أوروبا، وفي أمريكا لن يختلف الأمر كثيراً في الانتخابات الرئاسية 2024 أو انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي من المرجح أن تكون صعبة بالنسبة للرئيس جو بايدن ولحزبه ومؤيديه من الديمقراطيين، ولاسيما أن التضخم ٨،٦% هو الأعلى منذ ٤٠ عاماً، مادفع العديد من الأمريكيين إلى محالّ الرهن للحصول على المال، نتيجة استمرار أسعار الوقود في الضغط على المستهلكين في جميع أنحاء البلاد، ولابد من أن يسري الأمر على الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤.

الأوراق التي يلعبها الغرب اليوم سواء عبر حظر النفط الروسي أو ورقة الغذاء وكيل الاتهامات لروسيا لاطائل منها، وهي إن أضرت موسكو، لكن ضررها سيرتد بصورة مضاعفة على أوروبا وأمريكا، وكل التقارير الغربية، وكذلك التحليلات تصبّ في هذا الاتجاه، ورغم الزجّ بالمزيد من الفوضى وتسليح كييف لزيادة الضغط على روسيا، فإن ذلك لن يغير من طبيعة التحوّلات الحاصلة والموازين المتغيرة لمصلحة روسيا والصين أيضاً وكل الدول المناهضة للتوجّهات الغربية والأمريكية، على حساب الصورة الأمريكية والأوروبية التي اهتزت على المستوى العالمي حتى على مستوى الوحدة بين ضفتي الأطلسي والوحدة الأوروبية ذاتها إذ إنه من غير المرجّح أن تكون أوروبا قادرةً على العمل كجبهة موحدة في العقوبات ضد روسيا، لأن وحدة الغرب مفهوم نصف فارغ، حسب تعبير أحد الأكاديميين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار