“سبونج بوب” مسرحية تنتصر لأحلام الطفولة ونقائها

بديع منير صنيج 

استفاد القائمون على مسرحية “سبونج بوب.. أنقذوا قاع المحيط”، سواء مؤلفها زكي ماردنلي ومخرجها محمد دباغ، من العلاقة بين الأطفال والمسلسل الكرتوني الشهير، إذ تم بناء النص على أساس معرفة جمهور الأطفال بشخصيات العرض وطباعها وأسلوب مواجهتها للحياة بعقباتها المختلفة، وكان من الجميل الربط الذي تمَّ في بداية العمل المسرحي بين “الطفلة مرح.. أدَّتها راميا زيتوني” التي لا تستطيع متابعة مسلسلها المفضل لأنها تكون في المدرسة، لذا قامت بإرسال رسالة إلى “سبونج بوب.. فادي الحموي”، علَّه يجد حلاً لمشكلتها.

هذه المقاربة بين الرسالة التي قرأتها مرح على شاشة في عمق خشبة مسرح القباني، برسومات “هتون مقرش” وتحريك ومونتاج “أسعد سنديان”، جاءت كأنها مقتطعة من كتب الأطفال الخلابة، وهو ما وطَّد العلاقة مع الجمهور في المسرح، الذي لم يلبث أن عاش تفاصيل الحكاية وتفاعل مع شخصيات العرض سواء “سبونج بوب” الإسفنجة المحبة والتي تعمل في مطعم “سلطع.. محمد سالم” الذي يُحضِّر أفضل وصفة للمُقَرْمشات البحرية، وصديقهما “بسيط.. أحمد حجازي” البسيط بفهمه للأمور والكبير بمحبته للجميع، وهناك أيضاً “صرصور البحر شمشون.. عماد نجار” الطامع بالحصول على وصفة “سلطع”، والذي يُشكِّل في بعض الأحيان عقبة أمام الجميع بسبب غيرته، وأنانيته، بينما “شفيق.. أحمد عاصي” الحَبَّار المميز والذي رغم مرضه إلا أن دوره كان كبيراً في علاج الكثير من المشاكل.

الحل الذي قدمه سبونج بوب كان بتجميع طاقة أصدقائه بغية استدعاء مرح عبر الحلم لتعيش معهم، وتشاركهم اللعب، ولا يستمر الوضع على هدوئه وسلامه، بسبب مشكلة كبيرة أصابت المحيط، وهي التلوُّث الناجم عن تسرب النفط، هنا يبدأ الجميع بالبحث عن حل، للحفاظ على الحياة البحرية، “سبونج بوب” سيعرف تفاصيل المشكلة، و”سلطع” سيقرأ كتباً عن سبل معالجتها، و”شفيق” سيقنع شمشون بالعدول عن عدم مشاركته لهم في التصدي للخطر المحيق بهم، وفي خضم بحثهم وعملهم، يتضاءل أمامهم الزمن من أجل استجماع طاقتهم مرة أخرى، لإعادة مرح من أحلامها إلى حياتها الطبيعة، لكن في النهاية ينجح الجميع في إزالة التلوث وإسعاد الطفلة مرح وتحقيق ما كانت تحلم به.

الحيوية الكبيرة التي تمتع بها العرض، نجمت بالدرجة الأولى عن نص “ماردنلي” الذي لا يهدأ، ويسعى دائماً لخلق العقبات أمام أبطال العمل وإحداث التَّوتُّر في الأحداث، وفق حبكة مميزة تناسب ذهنية جمهور الأطفال، ومن ثم حلحلة العُقَدْ بمشاركة الجميع، وتأكيد أهمية القراءة والتعاون لتحقيق ذلك، وثانياً فإن تبني الممثلين الجميل لشخصياتهم عزَّز حضورهم في قلوب الأطفال، ولاسيما بأزيائهم المصنوعة بعناية وهي من تصميم “ريم ماغوط، ومقاربتها الجميلة للشخصيات الكرتونية بما يناسب الخشبة، إلى جانب الماكياج المدروس بعناية لـ”إنجي سلامة” والذي تماهى مع الأزياء وشكَّل وحدة منسجمة معها.

كما كان للديكور الذي صممه “كنان جود” دوراً كبيراً في التأسيس لمناخ جمالي جمع فيه بين نجوم البحر والمرجان والأشنيات، وعززتها إضاءة “أسعد سنديان” وموسيقا “سومر محمد” التي بدأت حتى قبل العرض بإدخالنا ضمن أجوائه من حيث صوت “بقبقة” المياه في أعماق البحار، إلى الأغنيات ذات الإيقاع السريع التي كانت بحاجة إلى مداراتها لذهنية المتلقين الأطفال، لأن الكلمات لم تكن مفهومة، وهذا أضاع الكثير من الجماليات التي كانت ستحققها في حال تلافيها ذاك الضعف، وتبقى بصمة المخرج “محمد دباغ” بإدارته المميزة لكل عناصر العرض واضحة، بحيث رسم ميزانسين متقن للممثلين، وواءم أداءهم في روح واحدة منسجمة، بحيث كان إيقاع العمل مشدوداً باتزان، من دون أي هفوات توقعه في فخ الملل، وحتى حورية البحر التي شاركت في ثنايا العرض برقصات من تصميم “جمال تركماني”، فقد حقق حضورها جمالاً إضافياً، والأهم أن رسالة العمل وصلت إلى الأطفال من دون كبير عناء، وبلا فذلكات على صعيد النص أو الإخراج، بل كان الإمتاع هو العامل الأساس الذي بُني عليه العرض، بحيث خرج الأطفال مُنتصرين للحق، وفي ذهنهم ألا يساهموا مع الآخرين في تلويث مياه البحار، لأن في ذلك خطر على أحبابهم كائنات المحيط الجميلة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار