يصرّ أبو عبدو الحلاق على أن تولستوي زار سورية، و أن روايته “آنا كارنينا” هي قصة حسناء شامية. يقول أبو عبدو إن اسمها ثريا، و إنها أحبت ضابطاً حارب الفرنسيين حباً عذرياً، ونتيجة الصراع النفسي بين إخلاصها لعائلتها وحفاظها على شرفها، وبين حبها لهذا النبيل قررت الانتحار.. ويضيف أبو عبدو أن تولستوي بمهارته الروائية ومعلّميته الأدبية و روسيته العريقة جعل من قصة ثريا الشامية رواية “آنا كارنينا” الروسية.
طبعاً أصل كلّ هذا التوجّه هو متابعة حلاق الحارة تلفزيون روسيا اليوم، الذي لفته على ما يبدو برنامج ثقافي أو وثائقي عن تولستوي ورواية “آنا كارنينا” فأعجبته القصة، وقام بتوطينها، واخترع لها أصلاً شامياً، كشكل من أشكال التفاعل معها ومع الثقافة الروسية، وهذا جيد. وفي جانب منه يشكل إبداع المتلقي الذي يتفاعل مع الإبداع الأساسي..
ما فعله أبو عبدو حلاق الحارة يبدو أن مصدره هو ما تنقله وسائل الإعلام الروسية عن الكاتب والصحفي الروسي مافيل بسينسكي المختص بدراسة تولستوي وأعماله، إذ يسرد هذا الكاتب مجموعةً من الشخصيات الحقيقية التي بنى تولستوي منها شخصية “آنا كارنينا”، وهي أولاً شخصية أخته نيكولييفا تولستوي، وشخصية ماريا هارتبونج ابنة الشاعر بوشكين، كذلك فإن حادثة انتحار عشيقة جار تولستوي تحت القطار مماثلة لانتحار آنا كارنينا ، وهكذا فإن ما فعله الحلاق أبو عبدو بجعله ثريا السورية شامية الأصل شخصية آنا كارنينا، ورغم خياليته وشطط تركيبته،هو محاولة شعبية للبحث عن مصدر لهذه الشخصية ولو بالاصطناعي و التخيل.
طبعاً مع وجود مصادر حقيقية لنماذج بشرية أخذ منها أو تأثر بها تولستوي، لكنه وبعبقريته الروائية خلق شخصية روائية ما زال العالم يتأثر بها، فقد جرى اقتباسها سينمائياً وتلفزيونياً أكثر من 30 مرة، مع ترجمتها إلى معظم لغات العالم، والاستمرار باستحضارها و التمثّل بها. وهذا فعل العبقرية الإبداعية لتولستوي التي أخذت ملامح وتجارب واقعية، وجعلت منها شخصية إبداعيةً خالدة.
تفاعل حلاق الحارة مع” آنا كارنينا “سببه كما فهمت برنامج ثقافي تلفزيوني و ذائقة شعبية لديه تتفاعل مع الشخصيات الإبداعية، وهذا ما يلفت النظر إلى أهمية البرامج الثقافية التلفزيونية و ضرورة العناية بجودتها الفنية الإبداعية للتأثير في المتلقي وجذبه للتفاعل مع الثقافة والنماذج الثقافية، حتى لو كان مجرد حلاقٍ في حارة.