الصّين في «المحيط الهادئ».. فرصة للتآزر التنموي في المنطقة
ترجمة وتحرير: راشيل الذيب
أثار الاتفاق الأمني الأخير بين الصين وجزر سليمان مخاوف لدى أميركا وحلفائها في المنطقة، وطرح العديد من التساؤلات حول تزايد النفوذ الصيني في جنوب المحيط الهادئ، وماهية المخاطر التي يشكّلها على واشنطن وحلفائها، فهل حقاً اتفاق بكين مع جزر سليمان علامة أخرى على تنامي قوة الصين في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي؟.
في هذا السياق أكد موقع «كاونسل أون فورين ريليشن» أن الاتفاق يعكس شراكة بكين طويلة الأمد مع منطقة جنوب المحيط الهادئ، والتي بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتجلت من خلال المنتديات الإقليمية، مثل منتدى جزر المحيط الهادئ (PIF)..ومنتدى التعاون والتنمية الاقتصادية بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ (EDCF) إذ تقدم الحكومة الصينية ما يقرب من مليون دولار سنوياً لأمانة EDCF.. كما أنشأت الصين صندوقاً بقيمة 1.9 مليون دولار لدعم مواجهة المنطقة لفيروس «كورونا» عام 2020، وعقدت بكين ودول جزر المحيط الهادئ في العام الماضي الاجتماع الافتتاحي لوزراء الخارجية وتعهدت بتعزيز التعاون في مجالات تشمل الحد من الفقر وتغير المناخ، كما يتجلى الوجود المتزايد للصين أيضاً من خلال مساعداتها الكبيرة، إذ كانت بكين خلال العقد الماضي ثاني أكبر دولة مانحة في المحيط الهادئ، بعد أستراليا.
وعلى مستوى المصالح، أشار المقال إلى أن الصين تنظر إلى منطقة جزر المحيط الهادئ على أنها عنصر مهم في مبادرة «الحزام والطريق» إذ تعد هذه المنطقة على وجه التحديد مركزاً مهماً للشحن الجوي في إطار «طريق الحرير الجوي» الذي يربط آسيا بأمريكا الوسطى والجنوبية، وقد وقعت الصين وثائق تعاون ضمن تلك المبادرة مع دول جزر المحيط الهادئ العشر التي أقامت معها علاقات دبلوماسية في العام الماضي.
ولفت المقال إلى أن الاستثمار المباشر للصين في المنطقة ارتفع من 900 مليون دولار عام 2013 إلى 4.5 مليارات دولار عام 2018، بزيادة قدرها 400% كما استثمرت الشركات الصينية أكثر من ملياري دولار في التعدين في المحيط الهادئ خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى ذلك أعربت الصين عن اهتمامها القوي بمصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية وبناء الموانئ وغيرها من المجالات ذات الصلة، كذلك زاد إجمالي التجارة في المنتجات السمكية بين الصين وجزر المحيط الهادئ من 35 مليون دولار إلى 112 مليون دولار ما بين أعوام 2010 إلى 2020، وبحلول نهاية هذه الفترة استثمرت 11 شركة صينية في صناعة مصائد الأسماك عبر ستة بلدان من جزر المحيط الهادئ.
وعلى المستوى السياسي، المنطقة كانت مركزاً لنزاع دبلوماسي حول تايوان على مدى عقود، فأربع دول فقط من جزر المحيط الهادئ لها علاقات دبلوماسية مع تايوان، وهي: جزر مارشال.. ناورو.. بالاو.. وتوفالو، بينما كانت جزر سليمان وكيريباتي هي الأحدث التي حولت علاقاتها من تايبيه إلى بكين في عام 2019, وفي حالة جزر سليمان، فقد وقعت بكين معها اتفاقيات في إطار مبادرة «الحزام والطريق» لتصبح بموجبها وجهة للسياح الصينيين في مؤشر قوي على الاتجاه نحو تقوية العلاقات مع بكين وعلامة على نفوذ الصين المتزايد في المحيط الهادئ، ووعدت بكين أيضاً بتقديم مساعدات مالية بنحو 730 مليون دولار في خطوة أزعجت الكثيرين في المنطقة.
الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان قد يكون مدفوعاً برغبة الصين في حماية مصالحها الخارجية، وسط الاضطرابات المدنية التي تستهدف المشاريع التي تمولها الصين في دول أخرى من جهة، والعلاقات الصينية المتدهورة مع أميركا وحلفائها في المنطقة من جهة ثانية.
وبالنظر إلى موقع جزر سليمان الاستراتيجي، لا شك أن الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين، مثل: أستراليا ونيوزيلندا، يشعرون بالقلق من أن هذا الاتفاق يسمح للسفن البحرية الصينية بإعادة التحميل هناك، ويمكن أن يفتح ذلك الباب أمام إنشاء قاعدة بحرية صينية، والتي من شأنها أن توسع بشكل كبير من نفوذ الصين العسكري في جنوب المحيط الهادئ.
وتابع المقال: يُنظر إلى جنوب المحيط الهادئ على أنه جزء من «بحيرة أمريكية» حسب تعبير دوايت أيزنهاور الرئيس الأميركي في عام 1954، ويمكن تتبع المصالح التجارية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة منذ عام 1825، وللولايات المتحدة اليوم وجود عسكري قوي في المنطقة من خلال القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، وتحت إدارة جو بايدن أعطى البنتاغون الأولوية لبناء قواعد عسكرية أمريكية في غوام وأستراليا.