عبد السلام العجيلي في ثلاثة كتب عن الهيئة العامة السورية للكتاب
علي الرّاعي
ينتمي عبد السلام العُجيلي (1918-2006) إلى طبقة الكتّاب المخمليين، مثله في ذلك غير كاتبٍ في سورية، وإن كانوا قلة أمام الكثرة التي كان الأدب لديها صنو المُعاناة والمرارة، أو الكثرة الذين كان النتاج الإبداعي لديهم هو اللؤلؤ الطالع من جرح المحارة، فيما العجيلي كما كوليت خوري، ونزار قباني، وسلمى الحفّار الكزبري، والبعضُ غيرهم الذين كان لديهم الإبداع يأتي استكمالاً لمسك أو الإحاطة بالمجد من أطرافه كلها، واللافت تلك العلاقات الحميمة بين هؤلاء الكتّاب الذين شكلوا ما يُشبه الطبقية في الأدب..
ومناسبة الحديث عن عبد السلام العجيلي في هذا الحيز الصحافي؛ هي الكتب الثلاثة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ففيما اختارت الدكتورة علياء الداية (عبد السلام العجيلي) وهو عنوان الكتاب، الذي كان شاهداً على كامل القرن العشرين، توزعت حياته بين الطب والأدب والسياسة؛ ضمن سلسلة (أعلام ومبدعون) التي تُصدرها الهيئة، بكتابة لا تخلو من الرشاقة والتكثيف والإحاطة، اختارت الدكتورة نادين عبيد وضمن سلسلة أخرى تصدرها ذات الهيئة، وهي سلسلة (ثمرات العقول) مختارات من مقالاته (المُختار من كتاب أدفع بالتي هي أحسن)، والتي ربما هي المجال الذي يأتي في المرتبة الثالثة من نتاج العجيلي بعد الرواية والقصة، والكتاب الثالث كان كتاباً تجميعياً لمجموعة مقالات خلال ندوة اعتادت الهيئة أن تعقدها كلّ حين، وهو بعنوان (عبد السلام العُجيلي الوطني النبيل) مع الإشارة إنّ العجيلي خوّض في مختلف الأجناس الإبداعية: القصة القصيرة، الرواية، المقالة الصحفية، النص المسرحي، والشعر، وأدب الرحلات، حتى أنه حاول إحياء فناً قديماً هو فن (المقامة) القائمة على الكثير من السجع والزخرف من الكلام.. غير أنه عُرف أكثر بالقصة والرواية حتى اشتهر بـ«الحكواتي».
كتب العجيلي روايته الأولى «باسمة بين الدموع» سنة 1959، ثمّ كتب من الرويات «رصيف العذراء السوداء- 1996، قلوب على الأسلاك- 1974، ألوان الحب الثلاثة- 1975، أزاهير تشرين المُدماة- 1979، أرض السيّاد، وأجملهن- 2001) هذه الحياة الغنية سواء على الصعيد البيئي وتنوعه، أو الحياة الإنسانية وغناها، شكلت للعُجيلي فضاءً رحباً للإبداع، فعلى ما تذكر (د.عبيد): ولا يُخفى أنّ ظهور فتى لُمعةً في قرية نائية؛ يُعدُّ كنزاً مملوءاً بالأمل، ولا أقرب من النيابة لتحقيق آمال مدينته المنسيّة، لذا رشّح نفسه للانتخابات النيابية سنة 1943، لكنه لم يُوفق حينذاك، ورشّح نفسه ثانيةً ليفوز بمقعد الرقة سنة 1947، ويصبح أصغر نائب في البرلمان.. وما بين “بنت الساحرة 1948” أولى مجموعاته القصصية، وبين “ذكريات أيام السياسة 2007” التي صدرت بعد وفاته بسنة واحدة؛ ناهز نتاج العُجيلي أربع وأربعين كتاباً، تنوعت بين القصة القصيرة التي أجادها، والرواية، التي لم يبتعد فيها عن “حكواتية” القصة القصيرة، وما بينهما من تنويعات في المقالة، وأدب الرحلات، والسيرة الذاتية، وقليل من المسرح والشعر، وكان في كلّ ذلك حكواتياً من النوع المختلف ما جعل من أدبه مجالاً واسعاً للحفاوة وإغواءات النقد، فسُطرت عشرات الكتب والأبحاث التي تناولت أدبه، لعلّ من أشهرها “عبد السلام العُجيلي، دراسة نفسية في الفن القصصي والروائي- 1970″ للناقد عدنان بن ذريل، و”التاريخ والعُجيلي -2006″ للناقد محمد جدوع، وعبد السلام العُجيلي حكواتي الفرات- 2011” للناقد والروائي نبيل سُليمان.
تذكر الدكتورة عبيد: ويُلحظ أنّ العُجيلي قد تحوّط في حياته الخاصة كما في حياته السياسية، فلا يُظهر إلا ما تسرّب عفواً في كتابه (أشياء شخصية– 1968)، وقد مرّت حياة صاحب (أجملهن) بمحطاتٍ عدّة، لوّنت كل محطة من تلك المحطات أدبه بلونٍ مُختلف، حتى أضحى إرثه من الروايات والقصص والمقالات متنوعاً تنوّع أسفاره، فمن الشهور التي قضاها في فوج اليرموك متطوعاً حمل خيبةً مريرة ظهرت في مجموعاته (قنديل إشبلية، والحب والنفس – 1959) و(فارس مدينة القنيطرة – 1971)، وغيرها من مقالات أشهرها (فلسطينيات عبد السلام العجيلي)، كما تركت قبة المجلس النيابي والوزارات التي تقلدها آثاراً في كتاباته، وإن لم تكن جلية، وأما أسفاره، فهي حاضرة في رواياته وقصصه كلها، وحتى في مُحاضراته التي كان يُلقيها بين الحين والآخر، وأظهر ما تكون في أدب الرحلات الذي أبدع فيه، وكان من نتاجه في هذا الباب (حكايات من الرحلات، ودعوة إلى السفر، وحكايات طبيّة)، ثم إنّ عمله كطبيب ترك في حكاياته أثره الخاص، وقد عمد إلى تدوين بعض مشاهداته الطبيّة في صور مقالات من مثل: (أحاديث الطبيب، وعيادة في الريف).
ونختم بما تقول عنه الأديبة الكويتية ليلى العُثمان: لا تُذكر الرقة إلا ويذكر طبيبها وأديبها العُجيلي وقد أصبح معلماً من معالمها الثقافية والعلمية والأدبية.. وأخيراً إذا كانت الكثير من شخصيات القادة والملوك والفرسان دخلت أسماؤها في بنية الأغنية الشعبية والفلكلورية؛ غير أن تاريخ الأغنية لم يُسجل لغير أديب الرقة وطبيبها -عبد السلام العجيلي- أن دخل اسمه في صميم الأغنية الشعبية التي أصبحت فلكلوراً سورياً خالصاً.