القطاع العام بين الإصلاح والانهيار

د. عدنان صلاح إسماعيل
لقد شكل القطاع العام الركيزة الأساسية لكل البلدان التي اتبعت النهج الاشتراكي, ولكن التوسع غير المدروس للقطاع العام أوصله إلى مرحلة الترهل والعجز عن الاستمرار.
إن أنصار العولمة ومنتقديها يتفقون على أن انتصار اقتصاديات السوق يعني نهاية الدولة الوطنية والعكس صحيح، هناك من يدافع عن القطاع العام ودوره وأهدافه، وأن هذا القطاع لم يفشل في أداء رسالته بما تضمنه من محتوى اجتماعي، فينبغي تقييم مؤسسات القطاع العام في إطار ذلك وليس فقط على أساس الربح والخسارة، فضلاً عن أن القطاع العام بمؤسساته مرّ ويمر بظروف استثنائية, وخصوصاً في البلدان النامية وسورية منها، وهناك من يعتقد أيضاً وعلى خلاف الرأي السابق بأن القطاع العام فشل في تحقيق أهدافه واستنزف الموارد الاقتصادية والمالية المتاحة، فينبغي تفكيكه وإنهاء دوره وتحويله للقطاع الخاص.
إن هذين الموقفين المتضادين حول مدى تحقيق القطاع العام لأهدافه المختلفة والمتعددة لا بد أن يتم مزج وتدعيم إيجابياتهما واحتواء وتجاوز السلبيات، لكون سلبيات الخصخصة في البلدان النامية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي بل لها أبعاد اجتماعية وسياسية وخصوصاً مسألة الأسعار والبطالة.
في سورية لعب القطاع العام دوراً مركزياً في النهوض بعملية التنمية الاقتصادية وتعزيز الصمود في وجه حصار الثمانينيات ولسنا بصدد شرح دوره ولكن تقييم وضعه اليوم يجب أن ينطلق من حقائق أساسية: لا يمكن تطبيق مبدأ الإدارة بالأهداف أو أي أساليب إدارية أخرى من دون إجراء إصلاح حقيقي هيكلي وإداري على مؤسسات القطاع العام, ولا يمكن إجراء إصلاح إداري وهيكلي من دون حل مشكلة فائض العمالة والبطالة المقنع, وإن حل مشكلة البطالة المقنعة سيقود إلى إحداث مشكلات اجتماعية تناقض الأهداف التي انطلق منها القطاع العام سابقاً.
كما لا يمكن تقييم القطاع العام من دون معايير رقمية دقيقة تتعلق بالإنتاجية والعائد والربحية واستهلاك المواد الأولية والفاقد وغيرها من المعايير.
شهد العقد الماضي اهتماماً متزايداً بموضوع الإصلاح الإداري وإصلاح القطاع العام وقد دأبت الحكومات المتعاقبة في بلدنا على تناول الموضوع من زوايا مختلفة: إحداث المعهد الوطني للإدارة العامة, إحداث وزارة التنمية الإدارية, والمضي قدماً في مشروع الحكومة الإلكترونية.
إن القطاع العام يبقى وسيبقى صمام الأمان في وجه كل المتغيرات الرأسمالية، الدولية منها والمحلية، ولكن يجب إجراء تغيير جوهري من خلال عدة نقاط ضمن ظروف العمل الحالية والتركيبة الحالية والقانونية والهيكلية التنظيمية: نفس الشخص الاعتباري يضع خطة وينفذها ويراقبها ويقيمها وهنا يجب فصل التخطيط عن الرقابة عن التنفيذ ويكون الفصل حقيقياً لا صورياً.
هل يمكن إجراء أي إصلاح إداري حقيقي, «وهنا أسأل من وجهة نظر اقتصادية» في ظل فوائض العمالة والبطالة المقنعة والمنتشرة في كل مؤسسات القطاع العام بالرغم من قلة الضرر السائد ولكنها كفيلة بتعطيل أي عملية للإصلاح الإداري, وهنا يجب توصيف الملاكات بشكل حقيقي بناء على الحاجة الفعلية ونقل الفوائض تحت تصرف الوزراء كخطوة أولى تمهيداً لإعادة استخدام بعضهم أو إحالتهم للتقاعد ضمن شروط مناسبة مع تفعيل موضوع الضمان الصحي.
تحسين الرواتب والأجور والمستوى المعيشي إذ لا يمكن مكافحة الفساد الإداري والترهل في القطاع العام والمواطن يحصل على أقل بـ 6 مرات من الحد الأدنى الضروري للمعيشة.
تطبيق آليات للمراقبة والمحاسبة تكون شفافة تتحرك تلقائياً بناء على معطيات رقمية– نسبة التنفيذ– الاستهلاك– مدة المعاملة– المهل القانونية, وأن يتم وضع الخطط بناء على معايير دقيقة قابلة للرقابة وتكون مراقبة التنفيذ من جهات مختصة بشكل رقمي بعيداً عن التقارير الإنشائية.
بعيداً عن الخصخصة يمكن الدخول مع القطاع الخاص في اتفاقيات شراكة لإدارة بعض المرافق التي عجز القطاع العام عن إدارتها وأركز على كلمة إدارة وليس تشغيل لتحسين جودة خدماتها.
بشكل عام القطاع العام يجب أن يبقى حصيناً وداعماً لصمود سورية كما كان خلال العقود المنصرمة مع إدخال التعديلات الجوهرية المرغوبة إلى بنيانه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار