من “جلجامش” أقدم رواية في العالم.. إلى الأميّة وتراجع القراءة والنشر!

هدى قدور:
إعلان منظمة اليونسكو في الثالث والعشرين من نيسان الماضي، بأن ملحمة جلجامش هي أقدم كتاب في العالم، لم يكن مفاجئاً، بل ينسجم مع السياق التاريخي الذي يقول: إن السوريين هم مكتشفو الحرف الأبجدي في أوغاريت رأس شمرا، وقبلها هم مؤلفو أساطير الخلق والتكوين والنصوص الشعرية الأولى في التاريخ، ولأن المؤرخين يتفقون على عدم إمكانية الفصل بين حضارات ومناطق الرافدين والشام، ويسمون الأرض الممتدة من ساحة المتوسط والعراق، بسورية، سنسمي تلك الحضارة في هذه البلاد بالحضارة السورية وهي تسمية تفرضها حقائق التاريخ والجغرافيا.
كتب السوريون أول رواية في التاريخ، واليوم، ومعهم العرب، أصبحوا في آخر درجات التصنيف العالمي من حيث نسب القراءة والنشر ومحتوى المعلومات على شبكة الإنترنت، فالمؤلف السوري والعربي لا يطبع سوى بعض مئات من كتابه نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة وتخلف أساليب التواصل الثقافي بين العرب فيما بينهم ومع العالم، الأمر الذي يجعل وصول الكتاب إلى الثقافات الأخرى صعباً ومضنياً جداً، ولا ينفصل ذلك عن انتشار الأمية بشكل كبير وانخفاض الموارد وتتالي سنوات الاستعمار الطويلة التي تعرضت لها هذه المنطقة من عصر الانحطاط وسقوط بغداد إلى اليوم.
كاتب أول رواية في التاريخ وهي “جلجامش”، يستجدي اليوم الجوائز العالمية مثل البوكر وغيرها، من أجل الوصول إلى الشهرة وتحصيل بعض الأموال التي ستنقذه من الفقر. إنه كاتب اكتسحته تطورات التكنولوجيا وجعلت شهرته صعبة، بعد أن تحول قراء الكتب إلى قراء عناوين ومقطوعات صغيرة، وبعد أن عممت ثقافة الفيديو خيار الاستسهال للحصول على المعلومات وليس العمل على تطوير الخيال. وتبقى المفارقة الغريبة أن المنظمات الدولية والثقافات العالمية، تقدر ثمن ما قدمته حضارتنا للبشرية، في حين ينظر إليها أبناؤها على أنها بكاء على الأطلال، وحنين إلى الماضي لا يمكن أن يفيد أجيال اليوم في شيء، مع أن المعادلة المنطقية تقول: إن الأغصان لا يمكن أن تتجه إلى الأعلى مالم تمتد أواصرها مع الجذور وتتغذى منها بشكل كاف.
حال القراءة والنشر اليوم، لا تتناسب مع ما فعله مؤلفو أقدم كتاب في العالم، فالعرب عموماً تحولوا إلى مستهلكين للمعلومات عبر الشبكات التي غزتهم من كل الجهات، وبرغم أن المؤرخ صموئيل كريمر يقول: إن التاريخ يبدأ من سومر، إلا أن القلائل من الأحفاد يلمّون بالحضارات القديمة ويدركون أهمية التركيز على المحلية من أجل الوصول إلى العالمية، فالتقليد في الفنون يظهر كأسوأ مشكلة تواجه العالم كله اليوم.
تقدم ملحمة جلجامش حكمة فريدة في التاريخ المكتوب، ونظرة فلسفية اجتماعية، فعندما عاد جلجامش بعشبة الخلود ثم وضعها قرب البحيرة كي ينزل إلى الماء من أجل الاستحمام، جاءت الأفعى وأكلتها، فعاد جلجامش إلى أوروك مدينته الكبيرة، وهو مقتنع أن الخلود هو في العمل وتحقيق الإنجازات لشعبه، وليس بعدد السنوات التي يعيشها بلا أي أعمال تذكر، تلك كانت من أهم الحكم في أقدم كتاب بالعالم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية