تحدث وزير الخارجية الأمريكي من على منبر مجلس الأمن الدولي عن “التجويع” والسياسات التي تقوم على تجويع الشعوب من دون أن ينتبه إلى أن الدولة الأمريكية بإداراتها المتعاقبة اعتمدت سياسة العقوبات الاقتصادية سلاحاً تستعمله لإركاع الدول التي ترفض الخضوع لسياسات الهيمنة والسيطرة التي تريد فرضها في كل مكان. هذه العقوبات تحاصر الشعوب وتمنع عنها ضرورات العيش وتسد في وجهها طرق الحصول عليها… الأمر الذي يجعل من هذه العقوبات إجراءات تقييدية؛ تقيّد الحصول على ضرورات الحياة الطبيعية, وهي إجراءات مانعة للشعوب من الاستفادة من إنتاجها أو ثرواتها, وقمع للحياة الطبيعية ومعرقلة للناس في سعيهم للحصول على غذائهم وضرورات عيشهم وإنتاجهم واستمرارهم, وهكذا فإن اسم العقوبات ليس إلّا التدليع الأمريكي لسياسة القتل بالتجويع التي تمارسها الإدارة الأمريكية منذ عقود، إجراءات تقيّد الحصول على ضرورات العيش والحياة.
طبعاً بلينكن كان يوم الخميس الماضي يتحدث في رئاسة مجلس الأمن الدولي ليهاجم روسيا وليتهم عملياتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا بالتسبب في اختلال الأمن الغذائي العالمي وفي تجويع العالم, ناسياً أو متناسياً أن إدارته تقود الغرب في سياسات تطيل الحرب في أوكرانيا, وتعوق أي تفاوض دبلوماسي وتمنع أي جهد يلبي الهواجس الروسية وينهي الأزمة. طبعاً الوزير بلينكن أدان سياسة التجويع وعدّها جريمة ضد الإنسانية لأنه يتهم روسيا بها لكنه تجاهل أن إدارات بلاده المتعاقبة وخاصة إدارة بايدن تمعن في استخدام واعتماد سلاح التجويع المسمى بالعقوبات وتتفنن في حصار الشعوب وخاصة الشعب السوري, لتقيد حصوله على ضرورات العيش ولتجعل حياته صعبة ولتدفع مجتمعه نحو الإنهاك والضعف.. تجاهل بلينكن ما تقوم به بلاده من جرائم بحق الشعب السوري عبر ما يسمى العقوبات والتقييد, وعبر سرقة ونهب النفط السوري وعبر دعم الانفصاليين والإر*ها*بيين.
هذا التجاهل من بلينكن لا يلغي جريمة إدارته تجاه العالم عامة وتجاه الشعب السوري خاصة, هذا الشعب الصامد المصر على مواجهة الحصار والعقوبات والتقيد بالإنتاج والاكتفاء الذاتي, وبكل السياسات الممكنة لتجاوز هذا التجويع الجائر.
بالتوازي مع اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول الأمن الغذائي في العالم نهاية الأسبوع الماضي حشد بلينكن أكثر من 30 دولة ليصدر بياناً يشكل (خريطة الطريق للأمن الغذائي.. ونداء للعمل) طبعاً البيان ينص على التعاون الدولي لتجنب الجوع في العالم, وهذا كلام حقٍّ ولكن أمريكياً يُراد به باطل لأن أمريكا نفسها تقول ما لا تفعل, حيث جاء في الإجراءات المطلوبة لخريطة الطريق هذه, وفي إجراءات البند الثالث وبالحرف: واجب جميع الدول تجنب (التدابير التقييدية) أمام الحصول على ضرورات المعيشة والحياة والإنتاج, وهل التدابير التقييدية غير العقوبات القسرية التي تمارسها أمريكا وأنها تطالب في البيان بعدم تقيد الوصول إلى ضرورات الحياة, وهي التي تقيد وتحاصر وتعاقب وتفرض العقوبات القسرية؛ إنه النفاق الأمريكي.