متاهة الدعم
د. عدنان صلاح إسماعيل
سياسة الدعم الحكومي هي سياسة تطبقها أغلب دول العالم، ولكن تختلف من دولة لأخرى، ومن نظام اقتصادي لآخر.. قد يكون الهدف منها حماية المنتجين أو حماية المستهلكين وضمان مستوى معين للمعيشة.
وقد تبنت الحكومة السورية منذ تولّي القائد المؤسس حافظ الأسد سياسات دعم تهدف لتقديم المشتقات النفطية والكهرباء والمواد الغذائية الأساسية بأسعار تقل عن سعر الكلفة، وطوال ثلاثة عقود استطاعت الحكومة الاستمرار في سياسات الدعم نتيجة الوفرة الاقتصادية، ولكن بعد حرب طاحنة لمدة عشر سنوات استهدفت الحجر والبشر، وظروف الحصار والعقوبات والسيطرة على حقول النفط بدأت الأصوات ترتفع لتنظيم قضية الدعم ومعالجة الهدر الكبير فيه و لم يعد بالإمكان الاستمرار بسياسات الدعم السابقة.
حاولت الحكومة عبر عدة إجراءات ترشيد الدعم وتنظيمه وإيصاله لمستحقيه، وأبرز الإجراءات كان مشروع البطاقة الذكية وكاقتصادي أقول: إن مشروع البطاقة الذكية نجح في الشق الأول المتعلق بتنظيم التوزيع بشكل كبير، فاختفت الطوابير بشكل شبه كلي تدريجياً، كما نجح في تقنين الاستهلاك من خلال تقييد الكميات المستهلكة ولكن عند الانتقال إلى المرحلة الثانية المتعلقة بتحديد الفئات المستحقة للدعم نجزم بأن الموضوع حتى تاريخه أخفق في بلوغ أيٍّ من أهدافه لأسباب عديدة؛ لم ينجح البرنامج حتى تاريخه في تحديد الفئات المستحقة للدعم ودخل في متاهة كبيرة عنوانها الأبرز: ” مستحق وغير مستحق” وكشفت المتاهة ضعف البيانات لدى الدوائر المعنية، فتارة شخص موظف على رأس عمله تظهره مهاجراً، وتارة شخص لديه سيارة واحدة تظهر لديه عدة سيارات، وبرأيي يعود السبب إلى عدم الانطلاقة بشكل سليم في تحديد وتعريف الشخص المستحق للدعم، وهذا بدوره ناجم عن عدم قدرة الدوائر الحكومية على تأمين البيانات المطلوبة في حال تم تعريف الشخص المستحق للدعم بشكل دقيق.
إذاً ما الحل في ظل عدم قدرة الحكومة على الاستمرار في الوضع الحالي من الدعم توازيه أزمة اقتصادية عالمية بدأت مع جائحة كورونا وتفاقمت مع الحرب الروسية الأوكرانية ؟
أعتقد أن الحلَّ يكون عبر تبني استراتيجية وطنية يمكن أن تعالج إشكاليات قضية الدعم من خلال عدة خطوات :
المرحلة الأولى إجراء ربط إلكتروني بين كافة الدوائر الحكومية من مالية ومجالس محلية ودوائر عقارية ونقل وغرف تجارة باتجاه تطبيق الحكومة الإلكترونية مع إجراء تقييم دقيق لقيم العقارات، فلا يجوز معاملة مالك شقة في المزة أو المهاجرين بنفس معاملة مالك شقة في الأرياف النائية.
المرحلة الثانية: تقسيم المواطنين المستحقين للدعم إلى فئات ثلاث:
الفئة الأولى وتمنح البطاقة الذكية الكاملة: وتشمل الأسر الأشد فقراً وتستحق كل أشكال الدعم من مشتقات نفطية وكهرباء وسلع غذائية أساسية وخبز، ويمكن تحديد هذه الفئة من خلال البيانات المتعلقة بدخل الأسرة أو مؤشرات تقريبية تدل على دخل أو إنفاق الأسرة أو الملكية ومقاطعة كل هذه البيانات إلكترونياً .
الفئة الثانية وتمنح البطاقة الذكية الجزئية: وتشمل الأسر المتوسطة والأقل فقراً وتستحق بعض أشكال الدعم من مشتقات نفطية وكهرباء وتحجب عنها السلع الغذائية الأساسية والخبز ويمكن تحديد هذه الفئة من خلال البيانات المتعلقة بدخل الأسرة وبيانات النقابات المهنية وسجلات الملكية.
الفئة الثالثة وتمنح البطاقة الذكية الخاصة بالأزمات: وتشمل الأسر ذات الدخل المرتفع ولا تستحق أي شكل من أشكال الدعم سواء مشتقات نفطية وكهرباء أو سلع غذائية أساسية وخبز وإنما تستحق إعانات في وقت الأزمات والحروب والجوائح التي تشلّ الأنشطة الاقتصادية ويمكن تحديد هذه الفئة من خلال البيانات المتعلقة بغرف الصناعة والتجارة والسجلات التجارية.
المرحلة الثالثة وهي الأهم : الانتقال من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي وفي تلك المرحلة تتم الاستعاضة عن الكميات الممنوحة من المواد المدعومة إلى منح بدل نقدي مباشر يعادل قيمتها بالأسعار الرائجة وهنا تحقق الحكومة فائدة تخفيف الأعباء الإدارية وتكاليف الاتصال والضغط على الشبكات التي ترافق تطبيق سياسة الرسائل النصية.
باعتقادي ومن خلال الاطلاع على تجارب بعض الدول يمكن أن تكون الخطوات السابقة هي الحل الأسلم، أما الاستمرار في تطبيق الإجراءات السابقة فيؤدي إلى مزيد من التخبط في الإجراءات الإدارية ويعرقل أي سياسات اقتصادية يمكن أن تتخذها الحكومة لتحسين الوضع المعيشي