هشّة تُكسر باللمس!
في كل يوم ينزف القطاع العام ويفقد من لايجد له بديلاً، وغالباً من الأشخاص الذين تسمح لهم مؤهلاتهم بالوصول إلى فرص أخرى، ليتراجع مستوى الكفاءات باستمرار.
وإذا كان دور القطاع العام عبر التاريخ تدريب الكوادر وتقديمها لغيره, كحال الأطباء الذين يكلفون الدولة المليارات ومن ثم نقدمهم لدول أخرى، ولكن يمكن لكل متابع أن يلاحظ التغييرات البنيوية الكبيرة التي تحصل في عمق هذا القطاع وآلية عمله:
يكاد العمل في أغلب المؤسسات الحكومية يتحول إلى أعمال مأجورة، وأكاد أجزم أنه يستحيل أن تجد من يقوم بعمله إذا لم يحصل على “مزايا جانبية” لكي لا نسميها رشا.
لم يعد غالبية القابعين في أماكنهم يدارون طلباتهم في الحصول على ما يقابل خدماتهم, بل يتعاملون معها كحق لم يحصلوا عليه من الجهة التي يعملون فيها، ومن البدهي أن يعمل كل على طريقته بتحصيل ما يمكن تحصيله!
في السابق كانت سيرة الجهات التي تحتاج “لإكراميات” معروفة ويشار إليها بالبنان، أما الآن فأصبح الاستثناء من يسهل أمور العمل والمراجعين ولا يريد مقابل قيامه بعمله أي ترتيبات أخرى.
يوم بعد يوم يخسر القطاع العام كوادره الأفضل، ويخسر دوره بعدما أصبح الغالبية يريدون ثمناً لخدماتهم، ومن لا يحظى بما يرمم له دخله، لا يتردد كثيراً في مغادرة عمله، غير آسف على فرصة عمل ظلت لعقود مسعى وهدف لأفراد كل بيت.
هل يعقل أن يصبح البقاء في البيت أقل كلفة من الوصول إلى العمل؟
لا يعبر عشرات آلاف المتقدمين للمسابقات النادرة التي تحصل سوى عن انسداد الأفق وانعدام الخيارات أمام الناس، ولن يكون حال الفائزين منهم بأفضل من سابقيهم الذين يعيشون بين تناقضات تقضي على ما تبقى من قيم.
ربما للحكومات مبرراتها في عدم إصلاح هذا الخلل التاريخي بالمداخيل الذي يستفحل.. وللموظفين أيضاً ظروفهم ومبرراتهم, ولكن نأمل من الله أن لا يتأخر العلاج الاقتصادي الممكن قبل أن يتمرس الكثيرون بما هم عليه لتتحول الوزارات إلى قشرة هشة تُكسر باللمس.