“خالد تاجا” حضورٌ ثابت كأنه أرض
كان ذلك في أربعينية “خالد تاجا” (1939 -2012)، عُرِض يومها فيلم “سائق الشاحنة” في سينما الكندي، اختاره لبطولته مخرجٌ يوغسلافي يبحث عن ممثلٍ لباكورة أعماله ضمن المؤسسة العامة للسينما، وبشكلٍ ما، بدا اختياراً غير مُوفق، أو لعلها المصادفة غير الجميلة، بين زمنين، الأول جاء على هيئة خبرٍ سريع، يُعلن الرحيل، والآخر تطاول حتى فاق السنوات العشر، ولهذا ربما، لم نودّع تاجا كما يجب، حتى إنني قلت لأحدهم “الحضور قليل جداً، لا يليق بمن لقبّه محمود درويش، أنطوني كوين العرب”، وكان ردّه أشبه بقرع طبول ما قبل الحرب “لو كان أنطوني كوين نفسه حاضراً، لما زاد عدد الحاضرين”.
خلال أعوام، سيتضاءل الغياب بوصفه خبراً، تكدست فوقه أكوامٌ من الأخبار الحزينة، وسيبقى الحضور طاغياً قوياً، ثابتاً كأنه أرض، مُمتلِكاً لكل ما يحتاجه ممثلٌ من ثقةٍ وسطوة، يتجدد من تلقاء نفسه، ولا ينتقص منه تقادم الزمن، في “الفهد” و”رجال تحت الشمس” و”قاع المدينة”، وفي أعمالٍ عدّت نقاط علّامٍ في الدراما السورية كـ«التغريبة الفلسطينية, والفصول الأربعة، والزير سالم»، في هذا الأخير، قدّم تاجا شخصية “الحارث بن عباد” بروحه قبل جسده، بالصوت واليدين والعينين، يقول في لقاءٍ معه: إنه أوشك على البكاء حين قرأ الدور مكتوباً بكلمات الكاتب ممدوح عدوان، ولو عُرِض عليه دور الزير سالم، لرفضه.
وعلى ما تُوحي به معالم وجهه من قسوةٍ وحزم، وما يتردد عن جديته في التعامل، كانت للراحل، أدوارٌ كوميدية عديدة، شاهدناها في “بقعة ضوء” و”يوميات مدير عام”، و”حارة على الهوا”، وغيرها، استطاع أن يتعايش معها ببساطة، فلا يفتعل ولا يُهرج، يفهمها ويندمج معها، ليأتي الأداء صادقاً، عفوياً، لا تغيب عنه القوة، حتى في إضحاك الآخر واستدعاء سخريته من موقفٍ أو فكرة، وبرغم قلة أدواره الكوميدية مقارنة بأنواعٍ دراميةٍ أخرى، كان تاجا، خفيف الظل، قريباً ممن يُشاهده، يرى في التمثيل متعةً لا تكتمل دون إتقانٍ، ولهذا توجّب على المُتلقي التفاعل معها، بالطريقة نفسها.
في “4 نيسان” الجاري، مرّت ذكرى رحيل “خالد تاجا”، وما زلنا لم نودّعه كما يجب، ربما لا وداع للأقوياء.