” الجدوى الاقتصادية” للحصول على القروض مسار معقد وحسابات غير اقتصادية

يواجه الراغب بالحصول على قرض مصرفي لإقامة مشروع استثماري أو انتاجي مشكلة تقديم دراسة جدوى اقتصادية وتعقّد مسارها الأجور المرتفعة للمحاسبين القانونيين، وسط حديث عن تجاوزات مهنية وأخلاقية يعتمدها المسؤولون عن الإقراض في بعض المصارف عبر توجيه الراغبين بالحصول على قرض إلى محاسب قانوني محدد لأغراض شخصية أو لارتباطات مهنية!.
تفاوض على السعر
يقول الدكتور وسام زهر لـ«تشرين»: إنه تقدم للحصول على قرض لمشروعه الجديد من أحد المصارف الخاصة مترافق مع رهن عقاري، وكان من ضمن الأوراق المطلوبة تقديم دراسة جدوى اقتصادية، تتضمن المدفوعات و الأجور و الرواتب وتكلفة أجهزة المشروع والمستهلكات الشهرية والدخل الشهري المتوقع والمدة اللازمة لاسترداد رأس المال وغيرها .
ويضيف زهر: بدأت بالتواصل مع محاسبين قانونيين قبل سنة من الآن وتفاوت المبلغ المطلوب من شخص لآخر، وكانت الأسعار التي زودوني بها من تواصلت معهم في البداية (مليوناً و 800 ألف و 600) ليرة، وبعد ذلك بحثت مطولاً حتى حصلت على سعر أكثر تخفيضاً وهو 200 ألف وتم الاتفاق ثم العمل على الدراسة، ولكن بعد تقديمها للبنك جاء الرد من إدارة البنك أن الدراسة غير مكتملة الأركان وتشوبها النواقص وتحتاج للترميم لتكون مقبولة من إدارة البنك لتتم الموافقة على صرف القرض!
يضيف: إن الغريب في الأمر أن إدارة البنك أخبرتني بطلبها الأخير بعد أن احتفظت بالدراسة ما يزيد على أربعة أشهر، ما أثار استغرابي واستغراب المحاسب القانوني الذي أجراها، وهنا رفض المحاسب القانوني المعتمد من قبلي تنفيذ الطلبات الإضافية للبنك، و جاء الاقتراح سريعاً من البنك بأن لديهم مرشحين لمحاسبين قانونين وعند التواصل مع المحاسب المقترح من البنك طلب لقاء أتعابه مليوناً و٣٠٠ ألف ليرة!
وبعد الحديث مع مسؤول الإقراض والاحتجاج مطولاً على هذا الوضع كانت النتيجة تدخلهم والتفاوض حتى تم تخفيض المبلغ المطلوب إلى 400 ألف ليرة بعد أن كان المحاسب المقترح من قبلهم رفض أي تخفيض سابقاً باعتبار أن عرض الأسعار الذي قدمه نهائي..
مجهود كبير
المحاسبون القانونيون لهم أيضاً أسبابهم لقاء الأسعار التي يتقاضونها كما يوضح المحاسب القانوني حسام ويقول: إن عمل دراسة جدوى اقتصادية يحتاج وقتاً مطولاً في العمل ودقة متناهية ومجهوداً كبيراً يفرض مقابلاً مادياً مناسباً.
و لا يجد أن هذه المبالغ كبيرة مقارنة بالأسعار الرائجة بالأسواق لمعظم المواد أو حتى العقارات، موضحاً أن عملهم مرتبط بالسوق مباشرة ويخضع لزيادات نفسها في الأسعار التي تجري حالياً في الأسواق ..
ويضيف: إن عمل المحاسب القانوني لا يصنف عملاً سهلاً ، وإن تجاوز امتحانات القبول للحصول على رخصة مزاولة المهنة يحتاج تحضيراً وخبرة كبيرة بسلسلة من الشؤون الاقتصادية والقانونية وكذلك الأسواق .
رواية المصارف
السيدة ماجدة المسؤولة عن الإقراض في أحد البنوك الخاصة، أشارت إلى أنه لا يوجد ضغط على العميل لإلزامه بمحاسب قانوني محدد لكن هناك بعض العملاء يطلبون مشورتنا أو يطلبون المساعدة لاقتراح أسماء محاسبين قانونيين، و أن المسألة مرتبطة بالعميل حيث بإمكانه القبول أو الرفض، وكذلك مسألة فرض الأسماء ليست دقيقة وتعود إلى العلاقة بين العميل والموظف المصرفي، نافية تقديمها أي توصية بخصوص محاسب قانوني محدد.
جدار حماية
قسّم الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس الموضوع إلى قسمين؛ الأول أهمية دراسة جدوى اقتصادية بالنسبة للبنوك باعتبارها الجدار الأول لحماية حقوق البنك لاسترداد القرض مع الفائدة المترتبة عليه، والثاني متعلق بآلية عمل المحاسب القانوني .
وقال: تقوم البنوك في كل العالم عند طلب القرض الاستثماري لإجراء مشروعات إنتاجية أو استثمارية بإجراء دراسة جدوى اقتصادية، وتعد أمراً مهماً لأن دراستها تعد جدار الحماية الأول للبنك لاسترداد قرضه مع الفائدة أو لضمان قدرة العميل على التسديد في الوقت المناسب .

و أضاف : دراسة الجدوى الاقتصادية هي خطة عمل تحدد مسار عمل المشروع لفترة زمنية مستقبلية، وكذلك التوقعات لحجم الإيرادات لخمس أو عشر سنوات، وغالباً ما يتم التحديد لخمس سنوات وبالتالي نصل إلى نتيجة: هل ننصح بقيام المشروع من عدمه؟
ويتم تحديد مستوى نجاح المشروع، لافتاً إلى أن إعدادها يتطلب مستوى عالياً من الثقافة الاقتصادية والقانونية والإحصائية، إضافة إلى ثقافة السوق، وعليه ليس كل محاسب قانوني قادراً على إجراء دراسة جدوى اقتصادية .
أما فيما يتعلق بالرهونات المترافقة مع القرض الممنوح فتصنف جدار حماية ثانٍ لأن الرهونات تعد ضمانة لسداد مستحقات البنك في حال تعثر المشروع ، إلا أن وضع اليد على الرهونات يتطلب إجراءات قانونية وتكاليف إضافية لذلك تلجأ البنوك إلى دراسة الجدوى الاقتصادية لأخذ صورة واضحة تضمن إلى حدٍّ ما نجاح المشروع للحفاظ على استرداد المستحقات البنكية لاحقاً.
أما فيما يخص المحاسب القانوني فقد نظم عملهم القانون رقم 33 لعام 2009 وكان من ضمن مفردات القانون أنه يحق للمحاسب القانوني إجراء دراسة جدوى اقتصادية، ولكن ليس كل محاسب قانوني قادراً على إنجازها .
وأكد أن دراسات الجدوى الاقتصادية المطلوبة من البنوك ليست بالضرورة أن تكون ممهورة بختم المحاسب القانوني، لكن الدراسة أساسية ومن الشروط التي يطلبها البنك في حال طلب القروض، لافتاً إلى ما يمكن تسميته فساداً ربما بإدارة البنك أو بالموظف المصرفي المسؤول عن الإقراض والذي يوجه العملاء لمحاسب قانوني محدد نتيجة علاقات شخصية أو ارتباطات مهنية، وهنا يجد العميل نفسه تحت ضغوط كبيرة بين الاستجابة لطلب الموظف والاتجاه للمحاسب المقترح، وبالتالي دفع أتعابه كما يطلب من دون أن يكون للعميل فرصة الاختيار، وبالتالي يصبح مقيداً بالاختيارات، بحيث يجد نفسه مضطراً لإرضاء الموظف الذي بيده قبول الدراسة أو رفضها .
وقال: هنا تكون المخالفة القانونية بحيث لا يحق لأي مسؤول بنكي أو مسؤول عن الإقراض أو حتى إدارة البنك إعطاء توجيهات للعميل للحصول على دراسة جدوى اقتصادية من محاسبين قانونيين محددين.

وأشار إلى أنه قد يطلب البنك بالنسبة لبعض المشروعات القائمة وليس الجديدة تسهيلات ائتمانية أو إعادة تجديد التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنك فيقوم البنك بطلب 3 ميزانيات سابقة وتشمل الحسابات الختامية وحساب المتاجرة وكذلك الأرباح والخسائر التي يجب أن تكون ممهورة بختم المحاسب القانوني، ومن الممكن أن يطلب من العميل أن يأتي بهذه الميزانيات من محاسب قانوني .

وقال: إن المخالفات هنا تكون أن المحاسب القانوني نفسه يعد الميزانيات ويقوم بعملية ختمها وهي مخالفة للقانون لأنه وفقاً للقانون لا يجوز أن يقوم المحاسب القانوني نفسه بتدقيق هذه الميزانيات الختامية وكذلك القيام بختمها، أي يجب أن تُعد من قبل محاسب قانوني وتُمهر من قبل محاسب قانوني آخر.
كيف تحسب الأتعاب قانونياً ؟
أكد الدكتور مجدي أن القانون رقم33 للعام 2009 حدد الحد الأدنى للأجور والأتعاب حسب المنشآت، أي قد تكون منشأة فردية أو شركة محددة المسؤولية أو شركة مساهمة وذلك حسب الأشكال القانونية للشركات وتم تحديد الأتعاب حسب نوع الشركات وتتراوح بين 200 ألف إلى مليون و 600 ألف.
وقال : حدد القانون الحد الأدنى فقط لأتعاب التدقيق المالي من دون أن يحدد أتعاب دراسة الجدوى الاقتصادية، أما بالنسبة للمبالغ المدفوعة للتدقيق المالي فهي بمثابة عقد، والعقد شريعة المتعاقدين .
أزمة استقلالية
الخبيرة في الشأن المصرفي يارا منصور تشرح صعوبة مهنة المحاسب القانوني وتقول: بعض الأشخاص تقدموا أكثر من مرة لامتحان نيل الشهادة وأخفقوا بتجاوز الامتحان المحدد الذي يحتاج دراسة تقريباً ٣٥ مقرراً إضافة إلى معايير المحاسبة الدولية، مبينة أنه من يحصل على الشهادة يجب أن يكون مطلعاً وممارساً للمهنة بشكل عميق مقروناً مع أرضية واسعة بالمحاسبة، موضحة أنه حتى بعد الحصول على الشهادة قد لا ينجح بالحياة العملية و هناك أمثلة على محاسبين قانونيين لم يستمروا أو لم تتم الموافقة على تجديد تراخيصهم ، ورأت أن الخلل الأساسي في عملهم هو الاستقلالية، حيث يتعرض البعض لضغوط خاصة أن القطاع المالي تمتلكه فئة محددة وفقاً لتعبيرها.
جمعية المحاسبين القانونيين
جمعية المحاسبين القانونيين تنظم عمل المحاسبين القانونيين ويوجد ما يزيد على 300 محاسب قانوني حتى 2022، ومع ذلك فإن القادرين على إجراء دراسة جدوى اقتصادية لا تتعدى نسبتهم 10%لأنها تتطلب ثقافة متكاملة اقتصادياً وقانونياً وسياسياً إضافة إلى معطيات السوق ومناخه الاستثماري والاتفاقات الاقتصادية وآليات عمل الحكومة وتأثيرها على المشروعات، وفقاً للدكتور مجدي الذي يشغل أيضاً رئيس فرع درعا لنقابة المهن المالية والمحاسبية.
وقال: إن جمعية المحاسبين القانونيين ونقابة المهن المالية والمحاسبة لا تقبل أي تجاوزات من المحاسبين القانونيين وهي جاهزة لاستقبال أي شكوى لا تتناسب مع قانون تنظيم المهنة المحددة في القانون، ولا يوجد أي داعٍ لضوابط عمل جديدة، مضيفاً: إنه في أي عمل قد تكون هناك تجاوزات شخصية، وهم على استعداد لاستقبال أي شكاوى تتعلق بآلية عمل المحاسبين القانونيين .

يذكر أنه بتاريخ 1 /12/2009 صدر القانون رقم (33)القاضي بتنظيم مهنة المحاسبة والتدقيق و بتاريخ /16/ 2/2010 صدر قرار السيد رئيس مجلس الوزراء (885) القاضي بتشكيل مجلس المحاسبة والتدقيق برئاسة وزير المالية الذي يتولى :
1- الإشراف على مهنة المحاسبة والتدقيق للارتقاء بمستوى أدائها .
2-التأكيد على مستوى جودة ودقة عمل شركات المهنة ومدققي الحسابات.
3- الرقابة على الأعمال المحاسبية والمالية دعماً للثقة في أنشطة المحاسبة والتدقيق .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار