أزمة إنتاج لا نصوص.. السح لـ “تشرين”: أجر الحلقة لا يشتري لكاتبه شيئا
اعتراضاتٌ بالجُملة، رافقت عدداً من الأعمال الدرامية، منذ مشاهِدِها الأولى، بعضها تحدثت عن اختلاق واقعٍ، يبتعد بأحداثه وأزماته، عما نعيشه ونعرفه، واتجهت أخرى إلى ما يتردد منذ أعوام، عن الإساءة للتاريخ، إلى جانب تشويه شخصياتٍ ومناطقَ وتنميطها، ثم كان ما أُثير منذ أيامٍ عن سرقة عدة شخصياتٍ من نصٍ قديم، وعرضها في عملٍ آخر، لكنّ ما طرحه الكاتب أحمد السح، وهو صاحب تجارب منوّعة في الكتابة، منها مجموعتان شعريتان ومجموعة نصوص مسرحية، سيجد من يبادله الاعتراض، ربما، لأنه يضع المُنتَج الدرامي ككل، أمام تساؤلاتٍ، تحتاج وقفةً وإعادة نظر.
يقول السح لـ “تشرين”: “لا توجد أزمة نص في سورية، ما يُقال عن أن أزمة الدراما في جوهرها، تتعلق بالنصوص، كذبةٌ رددها مخرجون وكتّاب وممثلون، المشكلة تتعلق بشركات إنتاج بخيلة، وأخرى تطلب المال من الخارج، حيث تُصرّف مُنتَجها أيضاً، لأن المبيع عندنا غير متاح، بوجود عددٍ قليل جداً من المحطات، عدا عن أن الشركات الخليجية، تتعامل حالياً مع عددٍ من الكتّاب السوريين، ستستفيد من خبراتهم، قبل أن تُرجعهم إلى بلدهم خاوي الفكر”.
وأضاف كاتب نصوص (بلا سقف): “إذا لم يشترِ المال والأقنية الخليجية، الدراما المشغولة محلياً، فلن يكون هناك إنتاج أصلاً، بالطبع هذه الحالة، ليست موجودة في مصر مثلاً، لديهم حوالي 80 محطة، الشركات تُنتج وتُخرج نجوماً وتفتح المساحة للشباب، لكن في سورية، لا يوجد سوق عمل كبير، والحرب ليست سبباً هنا، لأن المعنيين أنتجوا أعمالاً تافهة، بأموالٍ تافهة أيضاً”، إذاً، هذا مؤشرٌ كما يرى على أنه “لا أحد يريد إنتاجاً محلياً أو نجوماً محليين، نتعرف على الممثل ونحن أطفال، ونستمر في متابعته حتى نصبح كباراً، نشاهد ممثلةً شابةً تؤدي دور الأم، لأنهم ببساطة لا يريدون إعطاء فرصٍ للظهور، همهم البيع اعتماداً على اسم ممثلٍ نجم”.
وبيّن السح أنّ أجر النص والحلقة، المقدَّم من تلك الشركات، بعد أخذٍ وردٍّ مع الكاتب لسنوات، لا يساوي أجرة بيتٍ في حيٍ شعبي، في أي مكانٍ بدمشق، يقول: “الشركات غير مهنية ولا موضوعية ولا محترمة، حين يذهب الكاتب إليها، تتحدث معه بطريقة تُقلل من شأن ما كتبه، وإذا استطاع إقناعها بالنص والفكرة، تُشرّح النص وتجري عليه عملياتٍ جراحية، فتتحوّل الكتابة التلفزيونية إلى مسلخ من شطب وقلب وتحوير، لتكون النتيجة مختلفة كلياً عن الأصل، تدفع له أجراً تافهاً بعد مفاوضات، تعطيه دفعة أولى بعد توقيع عقدٍ معه، وتتناسى الدفعات الثانية والثالثة!”.
واستحضر الكاتب في منشورٍ على صفحته في فيسبوك، ما قيل قبل أعوام، عن عدم الرغبة بتقديم دراما محلية: “لأن سوق التصريف خارجي، لا يكترث لمشكلاتنا”، ثم مرت سنواتٌ افتقدنا فيها، المنتِج الشجاع المدرك للعبة الإنتاجية، “إلى أن ظهرت محاولةٌ وحيدة، أنتجت وباعت وسوّقت، ودفعت بسخاء لتقديم مُنتَجٍ يحترم عقل المشاهد، بعيداً عن الادعاء بأن نصاً ما لا يناسبهم، كونه يتضمن ٣٠ موقع تصوير، وهم يريدون أعمالاً مبدعة، تُصوّر في شقة وشركة وشارع عريض، بسعر حلقة لا يشتري لكاتبه شيئا، بهذا السخاء كله يجب أن نكتب لهم صراع العروش”.
مع أنّ إشكالية التمويل، ليست جديدة ولم تكن سراً في يومٍ ما، لكن لا أحد يرغب بالاعتراف بها، أضاف السح: “ليتغير الوضع، على شركات الإنتاج أن تواجه حقيقة نفسها، وتقول إن أزمتها مالية، بدل إلقاء اللوم على الكاتب الفقير، واتهامه بالتقصير وقصور الإبداع، ومع وجود أقل من 5 شركات إنتاج و٣ قنوات تلفزيونية محلية، فلا يمكن الحلم بمُنتَج درامي، وستبقى صناعة الدراما في سورية، تحويلية، أموالها من الخارج، مُستهلكوها ليست دموع السوشيال ميديا المهدورة على ممثل هنا أو راقصة هناك، بل القنوات التلفزيونية والمنصات العارضة التي تشتري”.