بنات المعلمات…!!
يقول الخبراء: “إن أفضل سن لتعلم اللغات، هو سن الطفولة”
لم أعد أذكر تفاصيل تفسيرهم العلمي بشأن ذلك، لكنني اقتنعت تماماً بهذه المقولة، وشروحات من قبيل عقل الطفل الصغير بمثابة العجينة يمكن تشكيلها وتمكينها بقدر ما نعطيها رعاية وحباً واهتماماً.. لذلك كانت مخيلته نشطة وذاكرته متينة، وما ديباجتي هذه إلا للدخول بعالم طفولتي وسنيَّ الدراسية الأولى، والذي حرضه على فعل الاستذكار مناسبة “عيد المعلم”، وبحكم دراستي في مدينة دمشق بمدارسها غير المختلطة لذلك سأصبّ -على كبر- جام غضبي على بنات المعلمات اللاتي لم يتركن في ذاكرتي الطفولية أي انطباع وردي أو إيجابي يمكن أن أحمله لهن لسنوات، جميعهن بلا استثناء أولاداً وبنات لأن بعض المدرّسات عندنا كن يجلبن أطفالهن الصغار لصفوفنا الدرسية، وهات يا دلال وغلاظة منهم ومن سلوكيات زميلاتي الطالبات اللواتي يتسابقن لكسب قلب المعلمة من خلال “بطن ” ابنها وتقديم كل ما لذّ وطاب من سندويش وشوكولا وبرتقال.. للمدلل ابن المعلمة صاحبة دفتر العلامات، ولأنني كنت أعي – بقهر- سيناريوهات كثيرة بطلها أبناء المعلمات وأنا التي تكره سياسة الانبطاح، كنت أنتقل تلقائياً من أي صفٍّ تكون فيه بنت المعلمة زميلة صف كي لا أقعَ فريسة المنافسة غير الشريفة بالعلامات ولكوني كنت دائماً عريف صف ومدرسة، أبتعد قدر الإمكان في قيادة صفي عن المحسوبيات وغض الطرف عن مشاغبات بنت المعلمة وسوء تعاملها مع الأخريات.
صوري الطفولية تجاه بنات المعلمات لم تتحول أبداً إلى عقدة، وخاصة أنني كبرت على تفشي ظاهرة «المدلل» من ابن البقال الذي بحوذته كرة قدم دون سواه وهو الكابتن للفريق دائماً حتى لو لم يكن يفرّق بين حركات الهجوم والدفاع، إلى جارنا المعتر الذي تحول بيته بين يوم وقضية رشوى لمساحة زيارات وسهر وتملق لسفرته الغناء.. إلى قصص كثيرة يمكن أن تسمعها من الأقارب والأصحاب، كلها تصب برأيي بثقافة مغلوطة وليس بالأشخاص أصحاب الشارات الهلامية والميزات العابرة كسراب.
فتملق زميلاتي لابن المعلمة هو الغلط ، وتهليل شباب الحي لكرة ابن «الدكنجي» هو الغلط ، وتقبلنا للمرتشي وتقربنا منه هو أكبر غلط، بتراكم هفواتنا أحيينا عظام بعض المستحاثات وقدمناها كاملة الدسم في وجبة اليوميات.
ولأنني أحسب حساب أن تقرأني إحدى مدرساتي، أهنئ- دون تملق- النبيلات منهن اللواتي كان لهن الفضل الكبير في هندسة شخصيتي وتعليمي ما هو أبعد من حروف الهجاء والرياضيات.. كل عام والمعلم السوري صاحب الأثر بألف خير وهناء.