التورط مع الشبكة العنكبوتية- إدمان لا يبرأ
في مصادفة فائتة قابلت مدمنة على الإنترنت، طالبة جامعية تبلغ من العمر 20 عاماً تُدعى سوزان(مثل العديد من المدمنين، فضلت استخدام اسمها الأول فقط) وشى أحد زملائها بأنها تنام مع جهازها المحمول، أمر أكدته الفتاة بين السخرية والقلق موضحة استغراقها أمام شاشتها حتى الفجر من كل يوم, في استفسار عن خطوات تصفحها ردت رؤى : أكون على «الفيس بوك» فأشاهد تحديثاً لأغنية أجنبية، أسارع لغوغل بحثاً عن اسم الفرقة، أتصفح ويكيبيديا كي أتعرف إلى المغني المثير للاهتمام، ثم أبحث عن صفحته على توتير كي أتمكن من متابعته!. كثيرون ممن أعرفهم يفوقون رؤى بقضاء الوقت جله على مواقع التواصل، تبادلاً للرسائل أو تصفحاً أو مراقبةً أو تتبعاً، أو نشر (بوستات) أو صور أو انتظارٍ حثيثٍ لعدد (اللايكات) و التعليقات.
احتياجات نفسية
بعض وسائل الترفيه الشائعة – التلفزيون وألعاب الفيديو والإنترنت – والتي بتنا نتابع بعض مواقعها بهذيان مضنٍ، لنعيد صياغة رؤيتنا لبعضها الآخر بوصفها ضرورة لمعرفتنا وثقافتنا اليومية, لن تتوانى عن إيقاعنا بفخ الإدمان على الإنترنت، المصطلح الذي وضعتْه لأول مرة عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ مظهرة أن 6% من مستخدمي الإنترنت في العالم في عداد المدمنين متناولة هذه الظاهرة في كتابين:( الوقوع في قبضة الإنترنت ) و(التورط مع الشبكة), أما المدمن المقصود فهو من يستخدم الشبكة العنكبوتية لأكثر من 38 ساعة أسبوعياً..
تقول الدكتورة الخبيرة في إدمان مواقع الويب والمديرة لمراكزٍ للتعافي منه: إن الإنترنت يسبب إدماناً جزئياً لأنه يسمح للمرء بتكوين شخصيات جديدة واستخدامها لتلبية الاحتياجات النفسية غير الملبّاة– لعلّ الأمر مقلقٌ بالفعل إذ إن أنظمة الترفيه والاتصالات مصممة للسماح للأشخاص بإشباع حاجاتهم النفسية بشكل صريح.
سلوك قهري يعطّل الحياة الطبيعية والاجتماعية والعمل، أما المشكلة وفق د. يونغ فلا تقتصر على زمن استخدام الحاسوب فقط «بل تطول المحتوى الذي يتعاطاه المدمن»، مشيرة إلى أن ما من أدوية فاعلة لعلاج هذا النوع من الإدمان، في حين تشير إحصاءات معهد إلينوي الأمريكي لعلاج الإدمان إلى أن بعض المرضى يحتاجون نحو تسعين يوماً علاجياً داخل المعهد للعلاج، يعقبها برنامج رعاية مستمرة.
تنوير أم إفساد!
ما برحتْ النظرة المفضية إلى التسلية؛ تشكل ازدواجية ملحوظة بين الآراء، فإن لم تكن تسلية راقية يُسمى عاشقوها «مدمنين»، في حين يطلقُ على هواة القراءة و الاستطلاع لقب «الشغِفين», لا ريب أن المجتمعات عبر تطورها أو انحدارها التاريخي ما انفكت تعدّ أيّ حالة تعلقٍ مرضاً، نستحضر هنا النظرة التي لاقها الهوس بالأوبرا بصفته مؤدياً إلى الانحراف في فيلم “ديفا” للمخرج جان جاك بينيكس عام 1981 ؛ الفيلم الذي لم يلقَ في البداية نجاحاً تجارياً بعد إطلاقه في فرنسا، حيث هاجمته الصحافة واستقبله النقاد بالعداء, الروايات نفسها وجهةُ العقل المفكر السليم، عدّت سامة في أزمان خلت، كما ورد في مقال(تنويري آنذاك) نشر في إنجلترا عام 1797:«قراءة الروايات، سبب لإفساد الإناث»، وفي بوسطن بعد ذلك بخمس سنوات لعن الكُتاب الروايات باعتبارها مفسدة للفضيلة العامة والخاصة، فضيلة المرأة قبل كل شيء, ما انفكّ قلق القرن الثامن عشر بشأن محو أمية الإناث، مماثلٍ للقلق المعاصر من الويب الذي يجعل من الفتيات عرضة لـ “الحيوانات المفترسة” بوصفه (سماً يتسرب للأوعية الدموية مفسداً أخلاق الفتيات) على حدِّ تعبير كثير من الآباء و الأمهات.