خارج نطاق الرقابة
يستفز المرء استمرار بقاء بعض الفعاليات الحرفية والمهنية خارج إطار الرقابة الفعلية، لتغرد وكأنها في سرب وحدها لا تعنيها أي ضوابط ومعايير.. أو ليس هناك من يمتلك صلاحية إلزامها بها.
المتابع لمحال الصاغة يلاحظ أنها تعمل على هواها، حيث تدور أحاديث عن تفاوت كبير في أجور الصياغة التي يتم تقاضيها عن قطع متماثلة من محل إلى آخر قد يصل إلى حدّ الضِعف أحياناً، كذلك الامتناع عن الشراء في حال توقع حدوث انخفاض بسعر الذهب وذلك بمسوغ عدم وجود سيولة نقدية، أو الامتناع عن البيع من خلال عدم عرض أي مصاغ في حال توقع ارتفاع السعر.. والاعتذار من الزبون جاهز بذريعة عدم وجود طلبه من المصاغ، كذلك هناك نسبة حسم من الوزن أثناء الشراء وزيادة في السعر وقت البيع، ناهيك بأن موازين الذهب غير معروف فيما إذا كانت مضبوطة أو فيها خلل.
وإذا سألنا عن مسؤولية الرقابة عن محال الصاغة.. فلا تستغربوا القول إنها ليست من صلاحيات مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بل هي من مسؤولية الجمعية الحرفية للصاغة ، المشكلة أصلاً من الصاغة أنفسهم.. وهنا لا نعرف كيف سيراقبون ذاتهم لكشف المخالفات والمعاقبة عليها؟
حال الصيدليات على المنوال نفسه ، فلا تزال الرقابة عليها وضبط مخالفاتها إن لجهة الاحتكار والبيع بسعر زائد أو حيازة أدوية منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، خارج صلاحيات مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك أيضاً، حيث إن لجنة من نقابة الصيادلة ومديرية الصحة في عضويتها الصيادلة أنفسهم هي المعنية بواقع عمل الصيدليات.. وهنا يحق السؤال المشابه في الحالة السابقة: كيف سيراقبون ويعاقبون أنفسهم على المخالفات؟
في السياق، فإن ورش المنجور المعدني والخشبي والمنتجات الأسمنتية وإصلاح الآليات والأجهزة المنزلية وغيرها من المهن والحِرف، لا رقابة عليها إلا من لجان تُشكل من القائمين عليها أنفسهم من أعضاء الجمعيات الحرفية حين الحاجة (ورود شكوى)، ما يجعلها منفلتة بأجورها ومخالفاتها بلا أي رادع.
ليست المرة الأولى التي نؤشر فيها لمثل هذا الحالات، لكن استمرار مفارقة حدوثها يستدعي إظهارها للعلن مرات ومرات، لعلّ الجهات الوصائية تنظر في تعديل آلية الرقابة على مثل تلك الفعاليات، وجعلها تنضوي فعلياً تحت مظلة الأنظمة والقوانين النافذة للحدّ من فلتانها ومخالفاتها بالاحتكار والتلاعب والغش وغيرها، فهل من استجابة؟ نأمل ذلك.