كيف تغير الواقع؟

أنت لا تسمعني! تقول ما تريده دفعة واحدة ثم تمضي.. بمرافقة الوفد الكبير الذي تترك له إملاء بقية التفاصيل، لا يهم كم هي براقة تلك الشعارات التي تجمع الدول حول طاولة واحدة وتناقش جدول أعمال لا يوافق عليه أحد، وكأنما بنود الاتفاق وضعت من أجل المزيد من الاختلاف والخلاف.. لكن المثير حقاً لافتة الانسجام التي باتت تتصدر الإعلانات والبيانات على أمل أن تعكس روحاً جديدة في الموسم القادم لتلك الدول !
لماذا ينتشر كل هذا التوتر في العالم؟ ولم تفشل الجهود لوضع الحد الأدنى من الانسجام في العالم.. سؤال لطالما يخطر على البال كلما استمعنا أو تفحصنا سلسلة جديدة من الأخبار التي توحي وكأن الصواريخ جاهزة وتوشك على الانطلاق في معركة كونية تمثل نهاية العالم!
ونستيقظ على بقايا ذكريات لحضارات شكلت قوالب جميلة للإنسانية وكانت كساعة من نهار في يوم مظلم وكم يليق بحضارة كتلك التي صنعتها الأمم ذات النزعة الإنسانية أن تولد من جديد وتعيد منح الحياة عبر العصور تنوعاً وغنى ثقافياً جميلاً.
لكن صداها الوضاء سرعان ما يخبو في فضاءات الدول الأخرى التي صنعت ثقافات الاستيلاء والسيطرة على الشعوب والمقدرات بمشهد جنائزي أقل ما يوصف به بأنه يعكس نيات عدوانية ويشكل وضعاً شاذاً وغامضاً وأعتقد أن غرف العمليات في تلك الدول ما برحت الاستعداد لعمليات تجميل لمصالحها وأهدافها لإرضاء أذواق ناخبيها وليس هنا متسع للخوض في أمور السياسة وإنما فقط محاولة تلمس مستقبل الأنسنة العالمي تحت ظل هذا العصر الذي يجعل الانسجام والجمال شعاراً من دون مضمون حقيقي، وقد كانت قبل ذلك بعضاً من ديكورات وأكسسوارات عصور الهيمنة والتسلط على الشعوب.
هل نملك أن نتفاءل بأن اللوحة الجديدة للعالم تتسع لجميع الألوان والنقوش والفنون؟ نحتاج مساحات واسعة من الرمال والبحار والجبال والسهول والغابات، وكلما ازداد التنوع وامتزجت ثقافات الدول ولاسيما تلك التي تنتمي لمناطق عديدة في العالم ، ازداد المشهد جمالاً وبات ضمن مواصفات العالمية، ربما علينا أن نتخيل الحضارات المختلفة ذات الثقافات المتعددة تتماهى في لوحة عالمية فيها الكثير من الأبعاد الإنسانية والمشاعر الوجدانية والفنون واللغات والوجوه والقصص والحكايات.. كل شيء في هذه اللوحة يجعلك متحمساً لوضع إمضائك في مكان ما!
لكن هل من السهولة أن نصدق أن الذئب سيكون صديقاً وفياً للحمل والأرنب؟ هل سنشهد حقاً نهاية سعيدة لترسانات الصناعات النووية وقد تحولت بفعل الانسجام الجميل إلى ألعاب نارية يصفق لها الأولاد الصغار والكبار حين تطلق في الأعياد والأفراح، هل يأتي يوم تنشر فيه زنوبيا روائع ما صنعته وتفرد القوافل المحملة بالكنوز والنفائس على طريق الحرير من دون خشية من اللصوص وقطاع الطرق؟
شيء ما في هذا الانسجام يشعرني بالخوف والقلق وكأني أسمع أبا الطيب المتنبي ينفض عنه الرمال ويخط في أعلى الصفحة بيته الشهير :
إِذَا رَأَيْتَ نُيُوْبَ اللَيْثِ بَارِزَةً.. فَلَا تَظُنَّنَ أَنَّ اللَيْثَ يَبْتَسِمُ
وليس العيب في عصر الانسجام الجميل، لكنه قهر الشعوب من ظلم الظالمين وتسلط الأقوياء على الضعفاء والتنافس على السيطرة على العالم يجعل من لوحة الانسجام جرحاً ينزف أحلام من يشتاق إلى العيش بسلام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار