متى تبلغ سن الرشد؟
هل قدر المجتمعات الضعيفة أن تكون حطباً للمجتمعات الحديثة؟ هذه التبعية وهذا الإدمان وهذا الضياع للفكر والذات أما له من نهاية؟ ماذا نحصد من اتباع الشهوات واللهاث وراء المزيد من التطاول والتقليد الأعمى من دون هدف وعلى غير هدى.. نترك ذواتنا كالقشة في مهب ريح الفضاء والمنصات وندور معها من كذبة إلى كذبة ومن وهم إلى ضياع.. غير باقات الموت.. موت الشعر والخيال موت الروح وموت الجسد كله..
أشباح لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، مقطوعة الرأس تسير في الشوارع المظلمة بعد أن حطمت العاصفة كل الأعمدة والمصابيح.. الداء يأتي من الغرب ومن مقلديه، المجتمعات الحديثة تخلق الإدمان، ثم تدعي أنها تريد الشفاء.. تخلق قطعاناً من المدمنين توهمهم بالمكر والخداع أن خلف القضبان تقبع الحرية.. وما عليهم إلا أن يتبعوا أصوات الشهوات واللذات وفي نهاية الطريق تنتظرهم المفاجأة التي طالما حلموا بها.. ويبدأ المسير، يستغرق عمراً وكأنه يوم واحد لانهاية له.. وتكون المفاجأة في الممر الطويل المظلم خلف الجدران جثثاً متعفنة لعبيد لم يحتملوا قسوة القهر والظلم تلاحقهم أسياط الجلادين وأنى لهم الفرار!
الثقافة التي تلقي الضوء على الذات وتخرج المجتمع من تيه الصحراء باتت كأنها أحلام.. مجرد كلمات منمقة فهذه الثقافة لا تصل إلى النفوس ولا تؤثر بالسلوك.. ولا يسمع لها صدى بين جنبات المجتمع ولم تصل إلى مستوى لقاء الذات والمصارحة.. الثقافة في واد والمجتمعات في واد آخر, منذ زمن بعيد انفرط العقد, المجتمعات العربية تعيش داخل أقبية أفسدتها الأكاذيب وفاحت من جنباتها روائح الفساد الكريهة وحاصرتها عوالم المادية, أما الثقافة فبات ممنوع عليها البحث عن السعادة وأيضاً البحث عن الشقاء بحجة أن هذه المجتمعات لم تبلغ بعد سن الرشد.. وكأن الحياة ممنوعة بسبب حجة الموت!
من قلب هذا المجتمع الذي بات من المخجل فيه الانتماء إلى سلوك اللهاث وراء الماديات والشهوات على حساب الفكر والقيم, ولشدة ما أصابه من ضعف وهوان.. تعيدنا الذاكرة إلى سنوات الصحراء العجاف, وذلك الانتقال من غفلة الرمال إلى قمة القيم ليتربع عرش هرم الحضارة, من هذا المجتمع ولد الأمل ولد النور ولد العدل وأضاء كل العوالم.. عالم النجوم والسماء عالم الوحوش عالم النحل عالم الأسماك في البحار عالم النبات.. وكل العالمين, وليس لنا درب أصلح من درب اتباع نور القلب الذي ينمي في مجتمعاتنا العقل والتنمية والفكر والإبداع ويخرج الإنسان من ضيق الشهوات إلى رحابة الجمال والحياة.. هذا النبض إذا لم يشرق في ثقافتنا وسلوكنا, فحرام علينا أن نسلك درب الحياة الحرة الكريمة!.