ضرب أخماس بأسداس !
تجد في صدر كل واحد شكاوى مكتومة وما أن يجد أذناً تسمعه حتى يلقي كل ما في صدره من تنهدات من الظروف المعيشية والشدة والأولاد والزوج أو الزوجة والعمل ومن الراتب ومن السوق ومن المدير ومن الموظف ومن الأصدقاء وغير ذلك .
أمام عيون تتأرجح فيها أوجاع دفينة نقرع جرس التنبيه . ألم يأتِ الوقت لفتح القلوب قبل الأبواب ولاسيما للشرائح المغيبة من الفقراء وممن ضاقت بهم السبل في أبسط أولويات الحياة في عصر لا يعترف بالأخلاق، ويعدّ القانون لا يحمي المغفلين والضعفاء !!!
الكثير من الأوراق الصغيرة والمحمولة بالرجاء والأمل يتم وضعها بخجل واستحياء داخل صناديق الشكاوى وللأسف نادراً ما تجد آذاناً مصغية وإرادة حقيقية للتقصي والتدقيق في تلك الشكاوى ولعلّ صفحات التواصل حلّت جزءاً مهماً من المشكلة عندما أتاحت إمكانية نشر الشكاوى عبر صفحات الويب وبالرغم أنه تكاد لا تخلو مؤسسة أو هيئة من بريد خاص للشكاوى إضافة إلى الصندوق الأسود! لكن الكلمات والآهات غالباً ما تذهب أدراج الرياح، فالضجيج الأبيض يستحوذ على السمع، والوقت لا يكفي لتقليب الأوجاع وقراءة الهموم حتى لأقرب الناس لنا !
لعلّها الثقافة المادية والاستهلاكية وقد هيمنت على الأبعاد الإنسانية، فالزوج قد يقضي شهراً لترتيب مشروع أو عمل أو صفقة لكنه يعدّ حديث زوجته عن البيت والأولاد مضيعة للوقت ! والزوجة قد تقضي في النوم أو على وسائل التواصل ساعات وساعات لكنها تبدو منشغلة وغير مبالية بمشكلة تتعلق بفشل ولدها في تكوين صداقات، والمسؤول قد يستقبل وفداً ويستمر اللقاء ما ينيف على ثلاث ساعات للحديث عن جدلية، مثلاً لماذا نجح الغرب وفشل الشرق؟! لكنه لا يسمح لموظف عنده بأكثر من خمس دقائق لشرح اقتراحه حول أجندة لتطوير العمل !!
وهكذا.. تصير الحياة صعبة ومليئة بالهموم وتتحول الشكوى إلى ذلك النتوء الذي يجرح القلب ويسمح للهموم بالدخول إليها والاستيطان بها.. وبدلاً من أن نطفو فوق بحر الهموم يتسرب الهمّ إلى القلوب فيغرقها !
لو نترفق بقلوب من حولنا ولو بكلمة طيبة، فكسر القلب لا يأتي إلّا من تكبّر وأنانية، والحياة لا تغلق أبوابها في وجه أحد.. دائماً هناك بركة ورحمة، وإنّ في رحم كل ضائقة أجنةُ انفراجها ومفتاحُ حلّها ، وإن لجميع ما نعانيه من أزمات حلولاً مناسبة إذا ما توافر لها عقلُ مهندسٍ ومبضعُ جرّاحٍ، وقلبُ محبٍّ يمدُّ يدَّ العون والمساعدة.