حالة وطنية عالية
رجل لكل الأقدار.. لقب استحقه الدكتور رضا سعيد الذي يمثل إحدى الشخصيات الوطنية الذي عاش سنوات حياته بين الاحتلالين العثماني والفرنسي، فكان صاحب وطنية عالية اتجه بطريق العلم والثقافة محاولاً كل جهده أن يقدم ذلك لوطنه وبلده فكان صاحب فكر وقلم وصاحب إرادة علمية, وأكثر ما يهدف إليه خروج بلده إلى الحرية واللحاق بركب العلم والحضارة والتنوير ولاسيما أنه مؤسس التعريب العلمي, فحين وضعت الحرب أوزارها كان على رأس العاملين من أجل إعادة افتتاح المعاهد العليا المغلقة، فقد استطاع الدكتور سعيد وبمعاونة من آزره في هذا العمل تأسيس كلية الطب التي سميت أولاً بـ«المدرسة الطبية العربية»، ثم أطلق عليها اسم «الكلية الطبية العربية», وذلك عام 1919، وفي العام 1920 سميت «المعهد الطبي العربي» ليحل محل المكتب الطبي التركي برغم جميع العقبات التي صادفته، وعمل إلى جانب الدكتور رضا سعيد مجموعة من أبرز أطباء ذلك العصر، مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبدر، والدكتور أحمد العائدي وغيرهم، وقد انتخب الدكتور سعيد رئيساً له نظراً لخبرته الواسعة بالأمور الإدارية وذكائه ومرونته، وكان أستاذاً للأمراض العينية فيه.
في عام 1925 اختير ليكون وزيراً للمعارف، فصرف كل جهده لإصلاح التعليم ووضع مشروع البكالوريا السورية، وفي العام 1926 أعيد إلى رئاسة الجامعة السورية إضافة إلى رئاسة المعهد الطبي العربي وأستاذ أمراض العيون فيه، وعمل خلال توليه منصبه على توسيع الجامعة السورية فأسس فروعاً للمعهد في أقسام الصيدلة وطب الأسنان والتمريض والقبالة، وفي عام 1929 أصبحت البكالوريا السورية بفضل رضا سعيد شرطاً لقبول الطلاب في الجامعة، وبعد جهدٍ كبيرٍ قام به سعيد وعدد من زملائه في تعريب الكتب والمحاضرات أصبحت الجامعة السورية، وأيضاً بفضله الجامعة الوحيدة في العالم التي تدرس باللغة العربية، ليعيد للغة العربية وهجها كلغة تدرس بها العلوم إلى جانب لغات العالم.
وكان رضا سعيد يحب ثقافة المسرح وكانت علاقته جيدة بالمسرحيين جورج أبيض ويوسف وهبي ودعاهما مراراً إلى دمشق وقاما بتقديم عروض تبرعا بريعها إلى الجامعة بناء على طلبه، كذلك انصرف إلى تشكيل الهيئة التدريسية، وإيفاد الأساتذة إلى الخارج للتخصص، وحثهم على تعريب المصطلحات العلمية والطبية ونقلها إلى اللغة العربية وساعد في إصدار مجلة المعهد الطبي باللغة العربية.
الدكتور رضا سعيد كان «رجلاً لكل الأقدار» فقد رفع شأن بلده ولغته، فكان له فضل على كل طالب سوري درس وتخرج أو مازال يدرس، وقد ظلت جامعة دمشق مرتبطة باسم الدكتور رضا سعيد الذي يفتخر به كل السوريين.