العدو أسيرُ مخاوفه
لم يكن مشهد هروب ستة أسرى من سجن “جلبوع” الأكثر تحصيناً في فلسطين المحتلة مشهداً تمثيلياً مأخوذاً من أحد الأفلام، بل كان واقعاً حقيقياً، أفرز جحيماً أحاط بناره كيان المحتل الغاصب، وأدخله في دوامة التساؤلات والتخبّط وتراشق الاتهامات وزعزع أركانه، مضيفاً هزيمةً جديدة إلى سلسلة الهزائم التي يتلقاها هذا العدو دائماً على يد المقاومة بشتى أشكالها وطرقها.
انتزاع الأسرى حريتهم وهروبهم عبر نفق حفرته سواعدهم، هو تحدّ للمحتل وكسر لشوكة جبروته وصلفه، حيث تم وضع الاحتلال أمام حقيقة هشاشته أمنياً واستخبارياً وتعرية زيف ادّعاءاته، ليس في الداخل المحتل فحسب، وإنما أمام العالم أجمع، وخاصة منه الجزء الداعم لهذا الكيان، إذ تغلّبت أدوات الحفر التقليدية، على أجهزة المراقبة والاستشعار التي يفترض أنها “متطورة”!، وتغلّب من هم داخل القيد على من هم خارجه، بل على من يفرضون ذلك القيد.
رسالة الأسرى الهاربين واضحة ولا لبس فيها، وهي الرفض التام لممارسات وانتهاكات الاحتلال بحقّ الأرض والشعب والمقدسات الدينية وبحق الإنسانية التي تتعرّض لأبشع أنواع الاضطهاد والتطهير العرقي على يد هذا الكيان المحتل، كما هي رسالة تحمل في طيّاتها القضية الأهم، وهي المقاومة واستمرار العمل المقاوم الذي هو ثقافة متأصلة لدى الشعب الفلسطيني، هذا العمل الذي تسقط أمامه وعند أقدامه كل أشكال التطبيع والخنوع، كما تسقط أمامه ما تسمى”صفقة القرن” وما يرتبط بها من محاولات تغيير الحقائق التاريخية والجغرافية في فلسطين المحتلة، وطمس الهوية الفلسطينية.
النضال محدّد، والمقاومة تدرك طريقها، ولا مجال للتساؤلات عن ماهية المرحلة الراهنة والقادمة وآليات المواجهة، بل الكيان الصهيوني هو من يتقلب على نار التساؤلات، من مثل، ماذا بعد؟ وما شكل وطريقة المواجهة القادمة؟، بل ما كيفية مواجهة الهزيمة التي لابد منها ومقدار الخسائر؟، نعم كلها تساؤلات لابدّ من أن يأخذها العدو في الحسبان للتخفيف من وطأة تداعيات أيّ هزيمة، ولاسيما أن كل جولة من جولات المواجهة بين المقاومة كمحور بمجمل أطرافه، وبين المحتل تفرز نتائج لم تكن واردة في حسابات العدو وتعمق وتزيد حجم انكساراته.
العدو يواجِه بالتصعيد والإجراءات التعسفيّة والمزيد من التحصينات التي ثبُت عدم جدواها، بينما أصحاب الحق والأرض يواجهون بحقوقهم المشروعة، ومن البدهي أن ترجح الكفّة لمصلحتهم.
ربما يصحّ قلب الصورة لنجد أن العدو الإسرائيلي بات أسير الخوف والاستنفار والترقّب وانتظار القادم المجهول بالنسبة له، بينما الأسرى أحرار ما دامت المقاومة طريقهم.