صداع ما بعد الانسحاب
كانت لمشاهد التعلق بذيل الطائرة الأمريكية في مطار كابول وقعها، ما جعل الكثير من الحكومات والحركات تتلمس رؤوسها، فإذا أسقطت تلك المشاهد على تلك الحكومات فهذا يعني أنها في وضع لا تحسد عليه.
لقد شكل ترك الولايات المتحدة الأمريكية لحليفتها الحكومة الأفغانية “السابقة” في مواجهة مصيرها، حالة من الصداع الشديد لحلفاء أو “أيتام” أمريكا في جنوب وشرق آسيا وفي الشرق الأوسط، الأمر الذي يجب أن يدفع هؤلاء للتفكير أكثر من أي وقت مضى في الخلاصة التي وصلت إليها الأمور في أفغانستان، وعن جدية تلك العلاقة أو التبعية ونفعها.
الاعتماد على الحليف أو الشريك الأمريكي أصبح مخاطرة كبيرة، فالدول التي تشابكت مصالحها مع الأمريكي هي في مواجهة أزمتين حقيقيتين، أولهما: أزمة العلاقات والثقة المعدومة مع جوارها وخاصة الصين وروسيا وإيران، وثانيهما: أزمة السند الذي تلجأ إليه، بعد أن وضعها الحلف مع واشنطن في مواجهة دول عظمى..
للتخفيف من وطأة التطورات ودروس أفغانستان ، على الدول التي تبعت واشنطن إلى المستنقع الأفغاني اتباع عدة طرق، أولاً: عليها مواجهة أزمة الثقة بالانخراط في بناء الاستقرار الخاص في منطقتها بمعزل عن الوافد الغريب وصولاً إلى القطيعة معه، وثانياً: التكيف مع حاجات ومتطلبات المنطقة والتوقف عن ربط مصالحها بالأميركي المنسحب من أفغانستان، وأخيراً: عدم السعي للتخفيف من هزيمة الأمريكي وحكومته في أفغانستان- أي عدم وضع الدول نفسها في القارب الأمريكي الغارق.
حالة مكررة من الخذلان الأمريكي والتضحية بالمتعاملين معه، ليست جديدة في المشهد الدولي والذي يؤكد أن علاقة الدول مع الجانب الأمريكي في موضع الشك، فعند الحاجة يتم الانسحاب فلا ينفع معه التعلق بذيول الطائرات.
المشاهد من مطار كابول كانت كارثية على الإنسانية، لكنها التعبير الأوضح عن مصير تلك العلاقة غير المتكافئة مع الجانب الأمريكي، والمشهد يخص الأفراد، لكن ترك الحكومة الأفغانية وحيدة لمصيرها، يعني الحكومات والدول والتي عليها تقييم علاقتها مع الغرب للعودة إلى تشبيك مصالحها مع محيطها الجغرافي، من خلال الاستعانة بالعامل الثقافي والاجتماعي المتشابك بالأصل، فالغربة عن المنطقة ليست في صالح الشعوب..