مساومات جديدة
عشية حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن برفع السرّية عن وثائق متعلّقة بهذه الهجمات ونشرها خلال ستة أشهر، ما يعني أن بايدن قد خضع للضغوط التي مارسها أهالي الضحايا على مدى سنوات طويلة، والتي كان آخرها وضع بايدن أمام أحد خيارين تحت طائلة منعه من حضور احتفالهم بذكرى وقوع الهجمات: “إما هم وتحقيق العدالة للأمريكيين، وإما السعودية وترجيح كفة العلاقات معها”.
على مدى السنوات الماضية، طالبت عائلات ٣٠٠٠ ضحية برفع السرية عن الوثائق التي تدين النظام السعودي، مستندة باتهامها إلى تقرير لجنة 11 أيلول الرسمية التي شكلها “الكونغرس” والذي قال إنه “لا يوجد دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين قدموا التمويل بشكل فردي لتنظيم “القاعدة”، ما رأى فيه البعض إشارة إلى أن شخصيات سعودية غير رسمية أو أدنى مرتبة ربما لعبت دوراً في الهجمات.
ورغم الحرب الشرسة الطويلة التي طارد فيها ذوو الضحايا النظام السعودي في المحاكم الفيدرالية، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتذرع بحماية أسرار الدولة لفرض السرية على بعض من هذه الوثائق، وذلك لحماية النظام السعودي الحليف الوثيق لواشنطن.
الأكيد أن رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بالهجمات سيكشف عن تورط مسؤولين سعوديين، وإلا لما كانت الإدارات الأمريكية تستّرت عليها وأبقتها طي الكتمان، كما أنه من الأكيد أن رفع السرية عنها سيلحق أضراراً كبيرة بالنظام السعودي الذي سيدخل مساومات جديدة مع واشنطن.
صحيح أن النظام السعودي معتاد على مساومة الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تعمل لجني الأموال من الخزائن الملكية، لكن في حال فضحت الوثائق المستور من تورط مسؤولين سعوديين في الهجمات، فإن الثمن الذي سيدفعه نظام بني سعود هذه المرة سيكون باهظاً جداً، إذ سيترتب عليه دفع تعويضات كبيرة لعائلات ٣٠٠٠ قتيل، إذا قُدّمت الأوراق السرّية إلى المحكمة وأظهرت تورّط مسؤولين سعوديين في الهجمات.
ناهيك عن تفشي الكره في الشارع الأمريكي للسعودية، والذي سيضغط بكل قوته على الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتفعيل قانون “جاستا” القاضي بفرض عقوبات على السعودية.
مقابل رفع غطاء السرية كلياً أو جزئياً، لا شك أن الأشهر الستة القادمة ستشهد مساومة أمريكية قد تكون الأكبر بين واشنطن وحليفتها السعودية.. مساومة يكون رفع السرية عن الوثائق على قدر الأموال التي ستجنيها إدارة بايدن من نظام بني سعود، فرغم ما تبديه هذه الإدارة من موقف سلبي من النظام السعودي في العلن فإنها أظهرت استعداداً للمساومة معه في الخفاء، إذ لم يعد خافياً على أحد أن بايدن لا تختلف سياسته في الجوهر عن سياسة سلفه دونالد ترامب وإنما يختلف في الأسلوب فقط.