توجهات مشكوك بتنفيذها
شكل الانسحاب الأمريكي المذل والفوضوي من أفغانستان على الأرجح عاملاً محفّزاً لأوروبا لتطوير دفاعاتها المشتركة.
لكن بالعودة إلى الدروس والتجارب في الأزمات الدولية لم يستطع الأوروبيون، رغم كل تحشيدهم واجتماعاتهم الخروج بتوافق على تشكيل كتلة وازنة بعيداً عن المظلة الأمريكية..
وفي هذا السياق بحث وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير قبل أيام في سلوفينيا مقترحاً لتشكيل قوة عسكرية أوروبية للرد السريع، ليتم اللجوء إليها في الأزمات الدولية.
القرار الأوروبي يأتي عقب ما حدث من تهميش للكتلة الأوروبية خلال عملية الإجلاء التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث اضطرت دول الاتحاد للخضوع لشروط واشنطن في تنسيق عملية الإجلاء.
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: “لقد أظهرت أفغانستان أنّ هناك ثمناً لأوجه القصور على صعيد استقلالنا الإستراتيجي والسبيل الوحيد للمضي قدماً هو توحيد قواتنا وتعزيز ليس فقط قدرتنا ولكن أيضاً إرادتنا للتحرك”.
وتابع: “إذا أردنا أن نكون قادرين على التصرف بشكل مستقل وألا نعتمد على الخيارات التي يتخذها الآخرون، حتى لو كان هؤلاء الآخرون هم أصدقاؤنا وحلفاؤنا، فعلينا إذاً أن نطور قدراتنا الخاصة”.
لكن هناك شكوك جدية حول قدرة الأوربيين على التوصل إلى مثل هذا المشروع، إذ إن الاتحاد الأوربي لم يتمكن يوماً من استخدام نظام “تجمعات تكتيكية” الذي تم وضعه في 2007، والذي يتطلب إجماعاً من الدول الأعضاء لكي يتم تفعيله.
حقيقة الأمر أن الأوروبيين يحاولون الإفادة من الدرس الأفغاني والخروج بعبرة مما حصل، عبر محاولة أن تكون أوروبا مستقلة أكثر وقادرة على التحرك بشكل مستقل أكثر.
لكن كل هذه التوجهات أو الرغبات مشكوك بأمر تنفيذها، إذ لم يسبق لأوروبا أن استطاعت أن تشق طريقاً لها، أو تجري مقاربات للأزمات الدولية بعيداً عن الإملاءات الأمريكية.
بمعنى أن الاتحاد الأوربي منقسم منذ سنوات حول الدور الذي يجب أن يلعبه في مجال الدفاع خصوصاً بسبب التردد الكبير من جانب دول أوروبا الشرقية المتمسكة جداً بمظلة (ناتو) والأمريكيين في مواجهة موسكو.
الإشارات الأمريكية بخصوص الاقتراحات الأوروبية الجديدة، وإن كانت مرحبة، لكنها تخفي في حقيقة الأمر ما هو أبعد من الترحيب، فواشنطن تريد من يقاسمها الأعباء والمدفوعات، أما أبعد من ذلك فهي لن تسمح به وتالياً لن تشرعن خروج الأوروبيين من تحت عباءتها.
وهذا ما عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بقوله “ما زلنا نعتقد أن أوروبا الأقوى والأكثر قدرة هي في مصلحتنا المشتركة”.
باختصار الانقسام الأوروبي ليس جديداً، فهذا هو الحال منذ سنوات، والأمثلة كثيرة، وكل ما يقرره الأوروبيون يبقى مرهوناً بموافقة واشنطن وسط معادلة الثابت والمعروف فيها أن الأوربيين أضعف من أن يشقوا طريقاً أو يحجزوا مكاناً لهم بعيداً عن أمريكا، ولم يتعظ الأوروبيون أو يقرؤوا جيداً أن سياسات ومواقف أمريكا هي التخلي عن الحلفاء، وخذلانهم في أي وقت وعدم الاكتراث بأي مصير ينتظرهم، طالما أن هذه هي المصلحة الأمريكية؛ والدرس الأفغاني أحدث مثال على ذلك.