الفوضى صنيعةٌ أمريكيةٌ
باتت الفوضى صفةً ملازمة لأمريكا ومقترنةً بها، فرهان واشنطن الأساس، وأينما حلّت هو على الفوضى، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إذ إن الدول التي تتدخّل فيها واشنطن تصبح غير آمنة، وتسود فيها حالة عدم اليقين على مختلف الصعد وفي جميع المجالات.
ليست مستغربةً الفوضى القائمة في أفغانستان والتي رافقت الانسحاب الأمريكي بعد غزو دامَ عشرين عاماً، فهذا كان الرهان الأمريكي، وهذا ما تمّ بالضبط، وكأن لسان حال أمريكا يقول لا “أمان بعدنا”، ليس ذلك فحسب بل كأن أمريكا تريد أن تتخذ من هذه الفوضى التي لابد ستستمر وقتاً غير محدد ذريعةً ربما للعودة وهي غير متاحة في ظلّ المعطيات الراهنة، وربما لإيجاد صيغة جديدة لها تبقي يدها في أفغانستان بشكل أو بآخر في وقت لاحق.
ولتدعيم هذه الفوضى أتت التفجيرات الإرهابية التي شاهدتها أفغانستان خلال الأيام القليلة الماضية، وهي لاشك أمر عمليات وبرضا واشنطن ومعرفتها، خاصة أنها ليست مفاجئةً بل اللافت كان كمّ التحذيرات الغربية من وقوع هجمات إرهابية، أي إن الغرب وواشنطن يمتلكان معلومات مسبقة ومحددة، وعلى الرغم من ذلك لم تحُل هذه المعرفة دون وقوعها، أي أمر عمليات لاستثماره في الوقت المطلوب، ومن البدهي أن يكون عبر الإرهاب الأداة الأمريكية العابرة للقارات.
لاشكّ في أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هزيمةٌ مدوية ومُذلة لـ”هيبة” و”عظمة” أمريكا، كما أن تداعيات الانسحاب تعد هزيمةً مضاعفة، إذ إن كل الذرائع الأمريكية التي سيقت سابقاً لتسويغ الغزو كانت مجرد كذبة كبرى.
الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، هزيمةٌ للرئيس الأمريكي جو بايدن تحديداً وعلى نحوٍ غير مباشر جاءت من سلفه دونالد ترامب، إذ إن الأخير اتفق مع حركة “طالبان” التي بدورها وجّهت الصفعة لبايدن الذي بات عرضةً للانتقادات الداخلية وتحميله مسؤولية الهزيمة، إلى حدّ مطالبته بالاستقالة، وفي وقت مبكّر من ولايته!
على نحوٍ عام، أمريكا لم تأتِ إلى أفغانستان، أو أي دولة الأخرى لمحاربة الإرهاب كما تدّعي، ومع اختلاف الأسباب الأمريكية لتدخّلها بين دولة وأخرى، لكن يبقى الثابت أن الركيزة الأساس لواشنطن في كلّ حروبها ديمومة الفوضى وعدم الأمن وعدم الاستقرار من سورية إلى ليبيا واليمن والعراق وأفغانستان، والقائمة تطول.