«خبث» الانسحاب
أودت أفغانستان بشعبية بايدن حتى وصلت في أحدث الاستطلاعات إلى 40 بالمئة، والتوقعات بأن تهوي أكثر، في حال لم تضع عملية الانسحاب والإجلاء أوزارها في الـ31 من هذا الشهر حسب ما يعلن بايدن نفسه.. هذا من جهة أولى.
ومن جهة ثانية.. في حال استمر خصومه الجمهوريون في تصعيد هجماتهم عليهم على خلفية ما يسمونه «الإذلال التاريخي» الذي تسبب به بايدن للبلاد بعد قراره تنفيذ «انسحاب متسرع وفوضوي» من أفغانستان.. هذا الانسحاب الذي فتح لهم الأبواب واسعة لرد «الدَّين» لبايدن وحزبه الديمقراطي، وفق المعاملة بالمثل، أي الوصول إلى نقطة عزل بايدن، تماماً كما فعل الديمقراطيون مع ترامب، حتى أنهم جعلوا من مسألة «العزل» العنوان الرئيسي لمجمل ولاية ترامب الرئاسية.
وفيما يتحدث بايدن ومسؤولو إدارته وحزبه عن «انسحاب الضرورة» (وليس انسحاب الإجبار والهزيمة) بدأت نظريات تخرج على مستوى محدود تتحدث عن «قطبة مخفية» في مسألة الانسحاب، وربما قطب, إذ لا يُعقل حقاً أن لا تكون الولايات المتحدة بأجهزة استخباراتها، وشبكة هائلة من العملاء والجواسيس على الأرض الأفغانية طولاً وعرضاً (وفي الجوار).. لا يُعقل أنها لم تكن بصورة الوضع الأفغاني الحكومي والأمني والعسكري، وأنها لم تتوقع أن تتدحرج الكرة سريعاً نحو انهيار كامل في إدارة أشرف غني وجيشه، لتسيطر طالبان في أيام معدودة على البلاد.
ولنتذكر هنا أنه منذ سنتين على الأقل كان هناك تفاوض قائم بين الأميركيين و”طالبان”، وكان هناك اتفاق على الانسحاب منذ عهد ترامب.. فما الذي حدث حتى يُلام بايدن على تنفيذ ما اتفق عليه؟
هل الملامة بسبب سرعة التنفيذ، أم إن التنفيذ كان في غير وقته، أم الفوضى التي حدثت وغزت الشاشات العالمية وأحرجت الولايات المتحدة، مقابل تقوية مواقع خصومها على الساحة الدولية؟
كل هذه الأسباب وغيرها، ترد عليها إدارة بايدن بكلمتين «انسحاب الضرورة» وإلا فإن أرواح الأميركيين في أفغانستان مُعرضة لخطر داهم على يد طالبان، وهذا وحده يكفي ليعطي بايدن الحق بتنفيذ الانسحاب من دون الرجوع إلى المؤسسات المفترض به الرجوع إليها، وبما لا يعرضه للمساءلة أو للمقاضاة.
بكل الأحوال، أياً يكن من شأن ما يُقال في مسألة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تبقى عدة نقاط غير مفهومة تعزز نظرية أن هناك خطة أميركية خبيثة من وراء الانسحاب يُقال إنها تستهدف الجوار الأفغاني، الذي «بات خارج السيطرة» حاجزاً مكاناً له على خريطة العالم الجديد الذي يتشكل بعيداً عن الولايات المتحدة أو لنقل بموازاتها حتى لا نتهم بالمبالغة على اعتبار أن هذا العالم الجديد ما يزال قيد التشكل، وهذا العالم الجديد نفسه لا يريد استبعاد الولايات المتحدة، بل يريدها جزءاً من العالم وليس أن تنفرد به لوحدها.