لماذا.. محكومون بالفشل؟
أخيراً، لم تجد البعثة الأممية لدى ليبيا مفراً من إطلاق التحذيرات حيال إمكانية عودة الميدان الليبي إلى الاشتعال، وبما يَدفن اتفاق وقف إطلاق النار الذي ما زال صامداً منذ توقيعه في 23 تشرين الأول الماضي، والذي مهد لمجمل الاتفاقات السياسية اللاحقة بدءاً بالحوار الوطني الليبي وصولاً إلى الانتخابات المقررة في 24 كانون الأول المقبل.
وتعتبر البعثة الأممية نفسها معنياً مباشراً بما توصل إليه الليبيون من اتفاقات بحكم أنها الراعي والضامن لها، وعلى اعتبار أن الليبيين هذه المرة وبعد سنوات من الاقتتال والاختلاف توصلوا إلى أن لا طائل من دوام هذا الحال، وأن التوصل إلى الاتفاق بات حتمياً وإلا فإن الجميع خاسرون، والبلاد ستذهب إلى فوضى لا قرار لها.
ولأن البعثة الأممية تعتبر نفسها معنية مباشراً باتفاقات الليبيين فمن الطبيعي أن تضع نفسها في الصف الأول دفاعاً عنها، رغم أنها هي نفسها عبرت في مرات عدة عن التشاؤم، وأن المسار السياسي الليبي قد لا يصل إلى خواتيمه السعيدة في 24 كانون الأول المقبل.
لا شك أن البعثة الأممية تراقب بشكل جيد وعن كثب أي تحرك على الساحة الليبية، وتعي تماماً ما يعنيه وما يمكن أن يقود إليه، ولولا أنها تتوجس شراً من بعض التحركات اليوم لما أطلقت هذه التحذيرات، خصوصاً عندما تكون تحركات عسكرية وعلنية. صحيح أنها محددة ببقعة جغرافية معينة، وأطرافها ليسوا هم الطرفين الرئيسيين في الميدان الليبي، لكن هذا ليس سبباً كافياً لعدم التشاؤم، ومن يعود إلى سيرة الميدان الليبي، يجد أنه يكفي عود ثقاب واحد يشتعل في أي مكان من البلاد، ليعود الاقتتال إلى سابق عهده، وبصورة أوسع وأعنف.
لنلاحظ كيف انحسر المسار السياسي خلال الأيام الماضية مع بدء تناقل أخبار هذه التحركات العسكرية، لتطغى على الشارع الليبي من جهة، وعلى ساحة من يفترض أنهم يقودون المسار السياسي في البلاد من جهة ثانية، وهذا إن دل على شيء فلا يدل سوى على هشاشة هذا المسار، حيث لا يمكن بأي حال الاعتداد به طالما أنه يرتهن في كل مرة لتحرك عسكري من هذا الفصيل أو ذاك، فيما المفترض أن يكون هذا المسار قوة لا يُستهان بها، لأن من أنجزوه هم في أغلبهم ممن يتواجدون في الميدان العسكري أو ممن يرتبطون به حتى وإن كانوا بمناصب سياسية.
كل ما سبق يعيدنا –وكما في كل مرة– إلى المسألة الأساس ، وهي: تغليب مصلحة الجزء على مصلحة الكل، بما فيها مصلحة الجهة الخارجية وراء كل جزء، وهذا ما يفسر لماذا يبدو قادة المسار السياسي وكأنهم بلا رؤية واضحة حيال مستقبل بلادهم، وبالتالي لماذا كل اتفاق محكوم عليه بالفشل؟