“طالبان” من قبل ومن بعد
انقسم المشهد الأفغاني بين ليلةٍ وضحاها إلى قسمين، ومعه انقسم الفشل الأمريكي إلى قسمين أيضاً، قسم يتعلق بالانسحاب بعد حربٍ عبثية دامت عشرين عاماً لم يتحقق فيها شيء سوى أنها قدمت أدلةً جديدة على الخدع الأمريكية، وقسم يتعلق بسيطرة حركة “طالبان” على الأرض والحكم في مشهدية تعيدنا إلى 1996.
قد لا يكون الفشل الأول فشلاً بالمعنى الحرفي للكلمة، ففي السياسة لا يوجد شيء عبثي، ولاسيما في السياسات الأمريكية التي تأتي تحّركاتها مدروسةً -إن في الزمان أو المكان- إذ إن توقيت الانسحاب وسيطرة “طالبان” بأسلوب دراماتيكي، أظهرا للوهلة الأولى أن ما تمّ كان نتيجة اتفاق بين الحركة وواشنطن تهدف من خلاله الأخيرة إلى محاولة زعزعة دول جوار الإقليم الأفغاني..
تداعيات سيطرة “طالبان” الكاملة على المشهد الأفغاني شكّلت فشلاً حقيقياً ومضاعفاً لواشنطن، لكن دول الجوار ومن يعنيها الأمر ، تعاطت مع الوقائع بطريقة أكثر دبلوماسيةً وذكاءً، إذ فتحت يديها مبديةً التعاون مع الوضع الأفغاني الجديد- مع استعدادها للردّ ، فالاستقرار في الجوار يعني استقراراً داخلها وحفظاً لأمنها القومي الإستراتيجي، بدورها “طالبان” أبدت “مرونةً”، بل إنه في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية تجلي رعاياها ودبلوماسييها، كانت سفارات روسيا والصين وإيران تمارس أعمالها كما هو معتاد”.
إذاً، استطاعت دول الجوار الأفغاني أن تمتص ما حدث، وفوّتت على واشنطن ما كانت تخطط له، واختارت هذه الدول التعاون الدولي عنواناً للمرحلة المقبلة التي تتطلب تعاوناً دولياً حقيقياً، فما يسري على أفغانستان سيسري على بقية دول المنطقة وعلى الوجود الأمريكي غير الشرعي فيها، بطبيعة الحال.
المؤشرات الأولى القادمة من أفغانستان تشير إلى “مرونة” “طالبان”،
ريثما تتضح الصورة أكثر فأكثر مع تحديد “طالبان” سياساتها الداخلية والخارجية، يبقى المشهد الأفغاني محمّلاً بالتطوّرات..