استمرار التحشيد
لم تعد معركة القوى الدولية، ولاسيما أمريكا والغرب، والموجّهة ضد القوى الإقليمية التي تخطّت الهيمنة الأمريكية، وكسرت شوكتها، مثل إيران إلى جانب دول محور المقاومة، تقتصر على الوكلاء والأدوات، بل زجّت تلك القوى نفسها فيها مباشرةً بعيداً عن المناورة والمواربة، كما هو معهود.
وصول قواتٍ أمريكية وبريطانية جديدة إلى شرق اليمن، بالتزامن مع عبور غواصة إسرائيلية إلى جانب مدمّرتين قناة السويس إلى البحر الأحمر، يعد جزءاً من سلسلة متواصلة لاستهداف دول المنطقة، وعلى نحوٍ أكثر وضوحاً استهداف إيران.
الوجود في الممرّات الدولية المهمة والاستراتيجية عبر قطع عسكرية –من دون أن تحمل رائحة الحرب- هو عنوان المرحلة القادمة أو الحروب الحالية، في ظلّ فشل الحروب التقليدية أولاً، وعدم القدرة على تحمل تكلفتها وتداعياتها ثانياً، ثم إن مثل هذا الوجود يتيح السيطرة والهيمنة على حركة التجارة العالمية، على نحوٍ يضرّ بمصالح الدول التي تستهدفها أمريكا بسياساتها، وتحشد لأجلها.
التحشيد الدولي السياسي في المحافل الدولية، وكذلك العسكري في الممرات المائية والمحيط الإقليمي لإيران بات واضحاً وجزءاً من الاستراتيجية الأمريكية والغربية، ولاسيما في هذه المرحلة على نحوٍ خاص، فالمرحلة الإيرانية الحالية يقودها رئيس مناهض وأكثر تشدداً تجاه الغرب فيما يخص حماية المصالح الإيرانية، وتالياً إيجاد نظام إيراني طوع بنان الغرب يكون بيدقاً في أيديهم ومنفذاً لمخططاتهم العدوانية ضد دول المنطقة غير وارد إطلاقاً.
أمّا بالنسبة للمرحلة الدولية فقد اتسمت بتراجع الدور الأمريكي على عدة صعدٍ مقابل صعود قوى دولية تقدمت، وحجزت دوراً لها على الساحة الدولية، وتالياً، مفرزات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ليست متاحةً، وعلى الرغم من القوة الأمريكية التي لا مجال للتقليل من شأنها، لم تعد واشنطن تمتلك التأثير ذاته الذي كانت تمتلكه منذ بداية تلك المرحلة حتى ما قبل عقد من الآن.
ربما تبدو الصورة اليوم أكثر وضوحاً، ففي مقابل الثبات الإيراني بشأن الاتفاق النووي ومحاولة إعادة الأمور إلى مسارها قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق، نجد النيّات الأمريكية جليةً من حيث عدم الرغبة في التوصل إلى تسوية مع إيران مريحة لجميع الأطراف، وكذلك من حيث استمرار السياسة الأمريكية العدائية ضدها.