لم يُصِبْنا سهمُ «كيوبيد/ إلهُ الحب» في قلبِ دهشتنا هذه المرة في الدورة السابعة عشرة من معرض «مسابقة سورية الدولية للكاريكاتير» المهداة إلى روح الشاعر نزار قباني والتي أقيمت في قاعة المعارض في دار الأوبرا بدمشق. ربما لأنّ مضامين اللوحات الكاريكاتيرية فيها أفكارٌ متداولة ومكررة وبعضها سبق أن شاهدنا شبيهاتها في فضاء «فيسبوك» المتشعب أو على صفحاتٍ عالمية متخصصة بفنّ الكاريكاتير. كما غابت عنه أسماءٌ سوريّةٌ مهمة في فن الكاريكاتير لربما كانت ستترك بصمةً مؤثرة وقيمةً مضافة للمسابقة/ المعرض. وللأسف غاب بروشور هذه الدورة فيما حضرت بروشورات الدورات السابقة وكتيّب تعريفي بالراحل ناجي العلي كأحد رموز الفن الكاريكاتيري العربي العمالقة!
لكنّ ميزة المعرض بشكلٍ عام هي احتفاؤه الدائم بشخصية أدبية أو فنية مؤثرة تركت في عالمنا أثر الفراشة الذي لا يزول. فما تركه مثلاً الراحل نزار قباني في الوجدان السوري أو في ذاكرة مُحبّيه من القرّاء العرب وحتى العالميين يستأهل بكل فخر أن تقام له ليس معارض فنٍّ تشكيلي فقط بل جوائز باسمه و«تروفيّات/ مجسّماتٌ» تذكارية تُوزّع هي بحدّ ذاتها كهدايا لمستحقّيها.
تضمّن المعرِضُ موضوعين، أولهما بورتريه للراحل نزار قباني، والثاني لوحات كاريكاتيرية عن الحب «شاركَ في إبداعها 523 فنان كاريكاتير من 73 دولة» حسبما قاله فنان الكاريكاتير رائد خليل/ مدير المسابقة الدولية والذي أوضحَ أن الهدف من إقامة هذه المسابقة؛ هو لفت النظر إلى طاقاتٍ سوريّة شابة بقصد إعطائها فرصةً لتظهير مواهبها وتشجيعها على المتابعة، ومن ثمّ فتح أبواب الحوار الثقافي مع الفنانين الأجانب عِبر التأكيد على أن الفنّ هو رسالة أخلاقية وإنسانية ودعوةٌ للمحبة لاسيّما أن الدورة الحالية تتحدث عن الحب وتدعو لتعميم ثقافة الحب والجمال في العالم.
قلّة قليلة من اللوحات نوّهت أو أوحَتْ في خطوطها اللونية وتشكيلاتها بأنّ الراحل القبّاني كان سياسياً أيضاً وأنه كتبَ في السياسة أشعاراً جريئة، وسجّل مواقفَ إنسانية مهمة جعلت الكثير من الإذاعات العربية بعد نكسة حزيران 1967 تمنعُ بثّ قصائده، فمعظم اللوحات امتلأت بأحمر قلوبِ الحُب المجروحة أو تلك التي تنتظر في عيادة الطبيب لتُقطِّبَ جروحها، وبعضها بدت فيه طرافةٌ خفيفة، إذ رأينا نقشات أوراق اللعب الثلاث لبستْ السواد ووقفت عند قبرٍ شاهدتُه هي قلبُ حُبٍّ أحمر، وبعضها رسَمَ الراحل القباني ممسكاً وردةً وقلماً كما لو أنه آخر المحاربين الفرسان، ورسم الفنان الشاب السوري محمد العلي الراحلَ ممسكاً قلبه الدامي في قبضة كفّه في رمزيةٍ واضحة إلى عذابات ومكابدات الشاعر عشقاً ورجولةً ومبادئ، كما كان للفنان رامز حاج حسين بصمته المعروفة في رسوم الأطفال فجاءت لوحته منمّقة بطيورٍ ونباتاتٍ وسماء وريشة كتابة وقلبَ حبِّ شكّلت كلّها «بورتريهاً» لنزار قباني كما لو أنّ حاج حسين أراد لنا أن نرى روح الراحل الملّونة بالفرح الذي وشّى ملامِحَه الحقيقية بل بالفرح الذي تركته أشعاره في قلوب جمهوره.
فيما كانت اللوحات الثلاث الفائزة أقرب إلى الرصانة منها إلى الشكل الكاريكاتيري الساخر، بل بدت نوعاً من التحية للراحل القباني منها إلى النفَس الكوميدي المتعارف عليه في رسوم الكاريكاتير التي تجعلنا عادةً نقهقه للمفارقات الكامنة في الرسّم.
كما ضمَّ المعرضُ مفاجأةً لطيفة هي مشاركة الطفلة «جوري أبو السلّ» برسمٍ طريفٍ ساخر وجريء يمثل الفنان رائد خليل كنوع من التحية له.
وعليه اختارت لجنة التحكيم المكوّنة من الفنان رائد خليل والفنانة بشرى الحكيم والناقد التشكيلي سعد القاسم والفنان موفق مخول (إضافة إلى الفنان عمر صديق من مصر، والفنان والتر توسكانو من البيرو، والفنان أنتونيو سانتوس من البرتغال)، الجوائز الثلاث الأولى للبورتريهات المحتفية بنزار قباني وبالترتيب: الجائزة الأولى: جوتشارج- البرازيل، الجائزة الثانية: أركان الزيدي- العراق، الجائزة الثالثة: بايام وفات بار- إيران، الجوائز الخاصة: لوكا لاكاتور- الجبل الأسود كيفوكورتسيف أليكسي- روسيا، إيفاليو تسفيتكوف- بلغاريا، الجوائز التشجيعية: رامز حاج حسين- سورية، محمد العلي- سورية.
قد يعجبك ايضا