الإرث الأسود
في بداية متعثرة، وفي عاصمة مقفلة ومهددة أمنياً بالاجتياح وخالية من كل أشكال التقاليد الرئاسية المتبعة في مراسم تنصيب الرئيس الأميركي الجديد, يدخل بعد ساعات جو بايدن ولايته الرئاسية مجرداً من بعض نقاط قوته المبنية على (وحدة الأميركيين) بينما الانقسام والمخاوف الأمنية تتسيد مشهد التنصيب والأجواء السياسية في البلاد.
أخفق الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بقلب نتيجة الانتخابات لصالحه، لكنه نجح في عدة أمور مكنته من النيل من بايدن إلى حد ما، أولها ضرب أهداف بايدن بالصميم خاصة بما يتعلق بلم شمل الأميركيين وهي محور خطابه الانتخابي ومن المتوقع أن يكون أيضاً محور خطاب حفل التنصيب.
ثانياً, نجح ترامب بحرف مراسم التنصيب عن تقاليدها المتبعة حيث إنه لن يحضر حفل التنصيب في استمرارية على ازدراء بايدن والقوانين معاً، وكذلك سيغيب الجمهور عن الحضور والذي جرت العادة أن يكون في باحات الكابيتول للترحيب بالرئيس الجديد.
ثالثاً، أحدث هجوم الكابيتول الذي شنه أنصار ترامب شرخاً في القوى الأمنية والشرطة والجيش الأميركي بعد التأكيد لاحقاً أن بعض من شاركوا بالهجوم على الكابيتول كانوا ينتمون لتلك المؤسسات ما فرض حالة من عدم الثقة بين أفراد تلك المؤسسات لوجود قسم من عناصرها يدينون بالولاء المطلق لترامب حتى الآن ما يعني أن ترامب نجح أيضاً بالتشجيع على إحداث اختراقات واسعة في صفوف تلك الجهات.
ما سبق سيجعل من بايدن رئيساً لبلد مقسم إلى قسمين وربما أكثر في ظل الاضطراب والفوضى التي سببهما ترامب وسياسته العنصرية، وبالتالي فإن إنهاء حالة الانقسام المجتمعي والسياسي ووقف الانهيار الاقتصادي والصحي وإعادة ضبط المؤسسات الأمنية وغيرها على إيقاع الإدارة الجديدة ستكون المهام الشاقة لبايدن.
سيبقى إرث ترامب حاضراً أمام إدارة بايدن وبقوة، وما كان الأمريكيون يتغنون به من ديمقراطية تتجلى بالحالة الانتخابية وطريقة تعاطي الرئيس المغادر مع الرئيس القادم ستكرس من الآن فصاعداً نمطاً جديداً يخترق كل تلك التحصينات الديمقراطية التي تحولت مرتعاً خطراً لكل أشكال العنصرية والتجاوزات والانقسامات.