اكتسح الفروج المستعمل السوق الاستهلاكية السورية، رغم غلاء «البالة» ووصول بضاعتها إلى مصاف الماركات العالمية، فهذا الهيكل العظمي المجروم والمشفّى يمكنه أن يشكل حلاً للبطون الجائعة ولو عبر “المَرَقَة” و”زوم” الشوربة، بعدما استعصت على البشر لحوم “الشيش” و”الوردي” وأيضاً الجوانح التي كانت تباع بأرخص الأسعار وعلى “قفا مين يشيل”!.
ولأن اقتناء الجديد صار حلماً عند للمواطن ، فإنه بات يُقبل على المستعمل من كل شيء بسعادة منقطعة النظير، حتى الحب وبطاقات المعايدة ورفع المعنويات، يمكن العثور عليها اليوم كبضاعة مستعملة مئات المرات، خاصة عندما “تخلى” الدنيا وتكاد أن تفنى من النفائس واللآلىء والأشياء التي ترفع الرأس، كأن القدر حكم بشكل قطعي على الناس أن يقبلوا بالمجروم من كل شيء، كنوع من التمسك بالحياة في حدها الأدنى، لأن الأعلى أصبح مستحيلاً، ولأن البطون الفارغة لا تورّث في النهاية إلا نفوساً خاوية وأحلاماً ترضي «المعد »ا لتي تتضوّر جوعاً فلا تترك مجالاً للأمخاخ بأن تشتغل على أكمل وجه كما يفترض عند “البني آدام” الطبيعي الذي صار عملة نادرة هذه الأيام!.
بيع الهياكل العظمية للفراريج، حرك المواجع من كل حدب وصوب، وكان أردأ المشاهد في هذا الاتجاه، منظر أطفال مشرّدين اختلفوا على تقاسم بقايا عظام فروج مأكول وجدوه في حاوية قمامة.. فالبشرية التي وصلت إلى القمر والمريخ، لم تغادر الحضيض عملياً، وكانت المعضلة تتعلق دائماً بقدرتنا على تفسير السبب الذي يجعل التاريخ لدينا يمشي بطريقة “الخطف خلفاً” والتدهور إلى الوراء مع أن العالم كله يبدو وكأنه يسير بسرعة للأمام!.
نكتفي اليوم بالمستعمل من كل شيء.. حتى الابتسامة والعناق والمشاعر التي لم تبقَ فياضة، تباع اليوم في سوق العلاقات المستعملة، لأن الجديد “حقو فيه” وغير مقدور عليه… عرفتوا كيف؟.