علاقة استهلاكية
قيل للنبع كلمة واحدة: “خذني”، هذه العبارة سمعتها كجواب على سؤال: هل الحب الحقيقي موجود؟، فكان الجواب نعم وكان الاستدلال بالعبارة الأولى.
من عقلانياتنا الدائمة تمجيد العطاء ونبذ الأخذ، تمجيد العطاء يكون دون حدود، ولو وصل إلى درجة البذل، ودون الانتباه إلى الحد الفاصل بين البذل والابتذال، ليس لأن لهما الجذر اللغوي ذاته، بل لأننا ووفق علاقاتنا لا نفكر بالأخذ بصوت عال بل نمارسه ولو بطرق غير مشروعة أو أخلاقية، ولكن المهم بطرق سرية!.
صحيح أن للنبع كلمة واحدة، ولكن من فكر كيف تقطرت مياه هذا النبع؟، وكم من الوقت استلزم حتى تفجر الصخر عن فم سمي نبعاً، وكلمة أو صرخة واحدة هي: “خذني”.
في الصناعة وحسابات الدول يجري تصنيف اقتصادي بين الاستهلاك والانتاج، ولأن التصنيف يأتي من الخارج لذلك لم يكن سؤالاً يسأله الإنسان في شكلي وجوده (المجتمع والفرد): “هل أنا منتج أم مستهلك؟”، فالإنسان المجتمع لم يسأله لأن المجتمع المنتج هو المجتمع المستهلك كما تفترض دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن الأمر لا يقف على إنتاج المواد، بل هناك الإنتاج الفني والفكري والثقافي كذلك، وقد قيل سابقاً: بغداد تكتب وبيروت تطبع ودمشق تقرأ، في إشارة إلى دورة ثقافية واحدة.
الكثير من الدلائل تدل على أننا مجتمع مستهلك ثقافياً، منها أن المسائل التي تشغلنا فكرياً هي ذاتها منذ مئة عام – ولا أريد أن أقول أكثر-، الأمر هنا ليس استهلاكياً فقط بل أسوأ من ذلك، إنه اجترار، مما يعني أنه لا يحتاج إلى إنتاج متجدد، بل يكفي المنتج ذاته الذي أنتج مرة واحدة ليعاد اجتراره إلى ما لا نهاية!.
وهناك دلائل على أننا المستهلكون للعواطف، نطالب بالتعاطف معنا في وجه الحصار، والحرب، والحريق، والوباء، وفي الوقت نفسه نرفض الشكر بترفع أو نرده كما هو!، فنحن عندما يشكرنا أحد ما نعيد الشكر بالشكر وكأننا نرفض العطاء، هكذا نمارس بذل العواطف دون أن نفكر كيف سنستمر ودون أن نفكر في عاطفة الغضب التي هي أكثر إنتاجية من الاستجداء!.