هل تعلمون أن السعادة ليست أمراً عسيراً هذه الأيام؟ وهي ليست من المستحيلات ، ولا من عجائب الدنيا ، ولا حتى من النوادر، بل هي مُتاحة ببساطة مثل أفكار الجاحظ التي يلتقطها من على قارعة الطريق بكل سلاسة. خذوا على سبيل المثال مواطناً بات له أكثر من شهرين يتابع على تطبيق «الواي إن» دوره من أجل الحصول على جرة غاز، وكلما تضاءل عدد سابقيه في الدور فإن سعادته تتسع، حتى تكتمل وتصبح بمثابة الفرحة «العرمرمية» عندما يصله إشعار بأنها باتت متاحة. صدقوني إن سروره وابتهاجه حينها لم يحصل عليه منذ تذوّقِه الحلاوة في شهر عسله، فتراه يحمد ويشكر على نعمة الغاز وناره الزرقاء الوهّاجة.
ودعونا مما يحصل عليه المواطن فيجعله سعيداً، هناك أيضاً بعض الأشياء التي تُشَكِّل مصدراً أساسياً لسعادته، لمجرد أنها لم تحصل معه، فلكم أن تتخيلوا غبطة ساكني الأقبية عندما لم تنقلب أمطار الخير في مصارفهم إلى عكسها، وذلك ليس بسبب «شطارة» البلديات أو تداركها لمثل تلك الطوفانات، بل لأنهم مع جيرانهم من سكان الأقبية المجاورة تشاركوا في شراء «مانعات رجوع» للمياه الآسنة، وأراحوا رؤوسهم من حلول البلديات ، فسُعِدوا بإنجازهم وكأنهم بنوا السد العالي وأكثر.
الحقيقة؛ أسباب سعادة السوريين أكثر من أن تُحصى، ومنها مثلاً: الحصول على حصتهم من الخبز من دون أي «خناقة» على الفرن، والاستئثار بمقعد في سيرفيس من دون انتظار «غودو» ليرافقهم في طريقهم اليومي بكل عبثيته، وقبضهم «المنحة» من المحاسب بلا طوابير الصرافات الآلية النادرة في وجودها ضمن الخدمة، حتى انقطاع الكهرباء في كامل سورية أشعرهم بالسعادة بسبب إحساسهم بالمساواة، وبأنه لا خيار وفقوس في ساعات التقنين، وصوت المياه وهي «تخرخر» في خزاناتهم، ولو مرة بالأسبوع، بات يُطربهم وكأنهم «لقيوا الطبطبة»، بل إن «عَشَرات» الأولاد في المدرسة ما زالت تملأ قلوب السوريين الطيبة حبوراً، وأكلة «برغل ببندورة» ما فتئت تخلخل أنزيمات الفرح لديهم، وغيرها الكثير، وما زال هناك من يبحث عن السعادة بينما كل أسبابها بين يديه، الله يهديه ويهدينا.