المشاهد.. الملك

يعمل صُناع الدراما العربية اليوم بمعزل عما يجري في العالم حولهم، غير مدركين للتحول الرقمي السريع الذي تشهده وسائل الإعلام والترفيه، وباستثناء منتجين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في العالم العربي، لا يمتلك الآخرون خططاً استراتيجية طويلة الـأمد لمستقبل صناعة الترفيه العربي، إذ لم يزل الحراك الإنتاجي، من ناحية الحجم والنوع، مشغولاً بصناعة المسلسل التقليدي، المعد للعرض الرمضاني وفق مواصفات، ومازال المنتجون يجتهدون في تكييف حكايات أعمالهم على مقياس الثلاثين حلقة، والبحث عن الصيغ التسويقية الآمنة للحضور على الشاشات في الشهر الفضيل.
ولكن هل يدرك المنتجون العرب، أيّ تحدٍّ إنتاجي سيواجهونه مع هيمنة الحلول الرقمية والبث المباشر في صناعة وسائط الترفيه، وأي تغيير بدأ يطرأ على سلوك المشاهدة وطريقة تقديم المحتوى، وتوقعات المستهلكين بهذا الخصوص، وما الذي يحتاجونه في قادم الأيام لتقديم محتوى يساير هذا التحول الموعود في سلوك المستهلكين وتجارب تقديم خدمات الترفيه..؟!
وفقًا لشركة PwC، سيكون لدى أكثر من ثلثي سكان العالم اشتراك في خدمة الإنترنت عبر الهاتف النقال بحلول العام 2023، وبدورها ترجح شركة تكنولوجيا الاتصالات والخدمات «إريكسون» أن يشاهد 10٪ فقط من الناس التلفزيون على شاشة تقليدية، وذلك بعد أن وجدت في دراسة لها، أن حوالي 70٪ من المستهلكين يشاهدون التلفزيون والفيديو على هاتف ذكي، وبحسب أريكسون، فهذه النسبة تعد ضعف ما كانت عليه قبل خمس سنوات فقط..
وبطبيعة الحال، الابتعاد عن شاشات العرض التقليدية، يعني تحرراً أكبر من طقوس المشاهدة الكلاسيكية، إذ لن يكون المشاهد العربي رهن توقيت معين ليشاهد مسلسله التلفزيوني مكرهاً على متابعة الإعلانات ضمنها رغم أنفه، فتكنولوجيا العرض الجديدة ستوفر له مشاهدة أي شيء في الوقت الذي يشاء وبالمقدار الذي يريد.
هذا لا يعني أن المشكلة سيتم حلها بنقل المسلسل التلفزيوني العربي من شاشة عرض تقليدية إلى شاشة عرض ذكية، فالأمر أعقد من ذلك، إذ تمنح شاشات العرض الجديدة للمشاهد سيادة التحكم بهذا المسلسل التلفزيوني بالتقديم والتأخير، وبمواصلة العرض أو الاستغناء عنه.
ومع التطور التكنولوجي، لن يحدد المشاهد مصير العمل التلفزيوني وحسب، بل سيحدد مصير كل ممثل فيه، وكل فكرة يتناولها، إذ سترصد أنظمة الذكاء الاصطناعي ما الذي لا يريده الجمهور، وما الذي يحبه من دون وهم أرقام شركات الإحصاء والتشغيل الوهمي و«بروباغندا » الإعلام و«جلقة» الفانز في الـ «سوشيال ميديا», وستحدد هذه الأنظمة وزن كل ممثل عند الجمهور، وتأثره أو تجاهله أفكار العمل.. وسيكون المشاهد هو الملك.. ملك فعلي لا كما يوهمنا المنتجون اليوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار