جلستُ طوال الليل مثل الثعلب «أبو ديل أحمر» بانتظار دجاجة شاردة… عفواً بانتظار مجيء المياه, وفعلاً وبعد «تشنيف» أذنيّ و«البحلقة» في عتم الليل الداجي وتحريك أنفي وشواربي يمنةً ويسرةً اشتممت رائحة «سرسوبة» ماء «تُخرخِر» و«تشخر» في الحنفية, مسيلُ ماءٍ صغير لا يكفي ليملأ ربع خزان صغير, بل ليحرمنا من إكمال أي فَرَجٍ متوقّع في الاستحمام وتبريد أرواحنا من هذا الجحيم أو إنهاء تنظيف البيت وغسل الثياب.
يا الله…«وبعدين معكن يا إدارات!» كيف لنا ولأولادنا أن نهنأ فعلاً ونبقى على هدوئنا ونحن نقارع نوائبَ الحرائق وعاتيات الأيام وانقطاع النّفَس فيما هناك على ما يبدو من يستمر في التضييق علينا بسبب سوء إدارته في لقمة عيشنا وماء حياتنا؟!
وهل يعقل أن ادارة «المؤسسة العامة لمياه الشرب» ومن ورائها إدارة وزارة الموارد المائية، ورغم مئات الشكاوى والزوايا النقدية في الصحافة وفي التلفزيون لم يستطيعوا جميعاً بعد كل ذلك أن يحلّوا معضلة المياه المميتة في صحنايا؟!
إذ إن ما يحصل يجعلنا نشكُّ في أحدِ الاحتمالات التالية مع أمنية حقيقية بألا تصدق أيّ منها: فإما أنّ هناك اتفاقاً مخفيّاً بين إدارة ضخ المياه وأصحاب الصهاريج لسبب مجهولٍ/معلوم، أو أنّ هناك من يتحكّم خِفيةً عن الإدارة ومِنْ دون علمها بـ«سِكْر» الماء, فيمنح هذه الحارة ويحرم تلك طمعاً بـ«بخشيش» من الأهالي، أو أن المعنيين بهذه الإدارة ما عادوا مهتّمين أصلاً بوجع «الغلابا» وهم يدفعون دمَ قلبهم وآلاف الليرات لـ«أمراء صهاريج المياه» المتحكّمين حرفياً برقاب الناس؛ الناس المصرّين على البقاء في وطنٍ كريمٍ ولائقٍ، وطنٍ لطالما تغنّى المسؤولون فيه أمام الكاميرات بأن: «مَنْ يشرب مِن ماء الشام لن ينساها أبداً!».