دورانٌ في المكان
لم تعد خيبة الأمل نتيجةً مُفاجئة تلي زيارة معرض فني أو أمسية شعرية، فالتكرار سيّد المشهد إلّا فيما ندر، لوحات غابت عنها الدهشة، وقصائد أقرب للكلمات المتقاطعة، لا شيء يبعث على الاستغراب، ولا جدّة تستحق الحديث عنها، كل ما في الأمر، مجرد «تعبئة» للفراغ، هكذا يمكن للقائمين على هذا «الدوران في المكان»، الادعاء بأن لدينا أنشطة ثقافية مستمرة، فنانون بالجملة، ونتاجات فنية تملأ الجدران ورفوف المكتبات، وإن كان الكم على حساب الكيف.
قبل شهرين تقريباً، أقام مركز ثقافي فعالية ضمّت توقيع ديوان شعري ومعرضاً تشكيلياً لإحدى الفنانات، افترضنا أنّ في رصيدها ما يستحق المتابعة لكن ما حصل كان يدعو للأسف، فهي لم تستطع قراءة قصيدة واحدة، بشكل صحيح، حتى إن أحد الحضور همس لنا «لو كانت القصيدة قابلة للاستماع، لقلنا هناك من يكتب لها، شعر مكسّر تكسير، لا صوت ولا صورة»!. والمشكلة أنّ هذا الخواء، وجد طريقه إلى الطباعة، في حين نسمع باستمرار عن كتّاب خاضوا معارك مع لجان القراءة في وزارة الثقافة لطباعة مؤلفاتهم!.
وإذا ما تركنا الشعراء نحو التشكيليين، لوجدنا خذلاناً آخر، إذ إن أسوأ ما يمكن أن ينتهي إليه رسام أو نحات، إصراره على الغرق في دوامة أسلوب واحد أو خط معين، لم يعد بمقدوره الإضافة عليه أو رفده بأيّ جديد، فما الذي يمنع أحدهم من التجريب في ميدان لم يعرفه سابقاً، عوضاً عن الوقوف على أطلال تجربة أخلص لها ونجح فيها، ألّا يُسيء كبار الفنانين إلى تاريخهم حين يحولون فنونهم إلى قيود بدل أن تكون بوابات نحو فضاءات أوسع؟.
والمفارقة أنّ ما تشتمل عليه نتاجات البعض من ضعف ورداءة وإسفاف، تجد من يصفق لها، ومن يدافع عنها ويتبناها، كأنّ الساحة لا تعترف إلاّ بما يطفو على السطح، في وقت ينكفئ شعراء ورسامون وكتّاب على أنفسهم، والحقيقة أن الغياب أفضل من حضور مغيّب، لصالح استنساخ الهزالة واللاجدوى، كما لو كانت الفنون مصدراً للمتعة والتسلية لا غير.. أيّة خيبة أمل تعادل هذه الخفّة الثقافية!؟.