دائرة الطباشير
ما أن تكتبُ منشوراً على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تجده بعض قليل، وقد (انطرش) على أكثر من صفحة، بل وحتى حين تكتب مادةً صحفية في جريدة أو موقع الكتروني.. البعض يأخذ المنشور كما هو (نسخاً ولصقاً) على صفحته من دون الإشارة من قريب ولا من بعيد لصاحب المنشور الحقيقي، وقليل من يضع اسمك في بداية المنشور، أو في زاوية أسفله، وقليل مرة أخرى من يعمل (مشاركة) وهذا أضعف الإيمان.. ثم سرعان ما تصير حكاية (المنشور) كما حكاية الطفل في قصة (دائرة الطباشير) الذائعة الحكاية, يبحثون له عن أمه الحقيقية.. وهنا المنشور ليس فاقداً لأمه وحسب، بل ولجميع أفراد أسرته في ظل فضاء جميع الحقوق فيه غير محفوظة.
ومع ذلك ثمة الكثير من المشاعر التي ستنتاب صاحب المنشور الحقيقي؛ فهل عليه أن يغضب ويحتج ويسعى في رحلة طويلة وضارية لإرجاع (حقوقه السليبة)؟؟!! أم يفرح، وقد وجد أن منشوره قد لقي كل هذه الحفاوة لدرجة لا يتورع البعض عن (سرقته) وحتى نسبه لنفسه؟؟
أليس في إعادة النشر ثمة حياة جديدة للنص، هل يستطيع اليوم كائنٌ ما، أن يدعي أن ثمة نصاً ليس له آباء والعديد من الإخوة، أو أن ثمة نصاً مُبتكراً وليس مدوراً بإعادة صياغة لنص قديم، أو هو تجميع من عشرات القراءات؟؟
إشكالية ما أمسى في عالم النقد؛ ما يُطلق عليها (السرقة الأدبية) قديمة قدم الإبداع نفسه، حتى إنه ثمة من يرى أن النص الوحيد الناجي من هذه التهمة؛ كان النص الأول، ذلك النص الذي اختلف عليه مؤرخو التدوين بين أن يكون ملحمة جلجامش، و نص يُنسب لأيوب، بل حتى ذلك النص الذي اعتبر أولاً قد لا يكون نصاً أصلياً لكاتب واحد، وإنما قد يكون تجميعاً لخبرات حياتية ومقولات لـ (مؤلفين) كثر ساهموا جميعاً في تدوينه
فالإبداع الذي يُتفق عليه أنه مأخوذ من مصطلح فرنسي، ويعني إضافة القائد العسكري لقطعة جديدة لأرض الوطن بعد حروب وغزوات ضارية.. بمعنى أنّ الإبداع إضافة جديدة لما هو كائن وموجود، والمُبدع الحقيقي اليوم؛ هو من يستطيع إضافة (ميليمترات) لما هو كائن بيننا منذ دهورٍ بعيدة وطويلة
ثمة من يؤكد اليوم، وبكامل الثقة بالنفس أن (النص العذري لا وجود له إلا في أذهان المأخوذين بالعذرية. ووراء النظر إلى الانتحال الشعري على أنه جريمة وعيب العيوب، ذهنية ذكورية مصابة بمرض الأوّل الذي لا أول له) هكذا ينصح على سبيل المثال الشاعر محمد عُضيمة، وفي رأيه لأن ذلك يُعيد إحياء النص القديم إذ يستضيفه بين كلماته وعباراته بهذه الطريقة..