صبغة الحرف
كثيرةٌ هي المفردات التي استبدلناها باستخدام مفردات أخرى، خاصة عندما تكون المفردتان لا تختلفان من حيث المظهر، فالعجز والحكمة متشابهتان من حيث عدم رد الإساءة، إلا أن الفارق بينهما، هو توفر القوة في الحكمة وعدم استخدامها، وعدم توفرها في العجز، وبالتالي لا يمكن استخدام ما ليس متوفراً، والحكمة مفردة قليلة الاستخدام مقارنة مع مفردة الصبر، لكنها ليست في طريقها للوأد المقصود كما مفردة العجز أو الإعاقة، ونحن هنا لا نتحدث عن الإعاقة في الولادة بل عن الإعاقة في الذهنية والعقلية.
إذ لا يتوقف الأمر في عقلياتنا الاجتماعية التي على ما يبدو نحن في حالة مصالحة معها وتعايش، ليس فقط كاستبدال مفردة بأخرى، بل بقبول هذا الاستبدال وتلك الكلمة، ذلك القبول هو المصالحة التي أصبحت عقلية.
إلى ذلك تبدو الأمور بخير حتى يأتي من يظن نفسه يقدم خدمة في إزاحة الغطاء وجلاء العماء، فتكون الحرب عليه لا معه، يكون هو في خندق ونحن في خندق آخر، ولسنا في خندق واحد لمحاربة العجز الذي قبلناه وجمّلناه.
انتشار السلع المقلدة وقبولها بل ووجود أسواق لها، بعد أن كانت مهمشة في «البسطات» يُعبّر عن هذا القبول والعقلية.
انتشار أسواق ليس فقط للسلع المقلدة، بل للسلع المسروقة، حتى سمي ذلك السوق بسوق «الحرامية» ثم جمّلناه، فنسب بحسب المدن، إلى أحد أيام الأسبوع كسوق الجمعة أو سوق الأربعاء، وبالتوازي هناك سوق ما زال إلى الآن يدعى بسوق «التنابل» أقصى ما يمكن أن نُغيره في هذه الحالة هو اسم السوق من باب التجميل، وليس من باب التوقف لنقض هذه المصالحة، والمصالحة ستبقى مستمرة على ما يبدو ما دامت لن تظهر ما تبطن.
في بعض الحالات تمت المصالحة مع المفردة رغم قباحتها، كما تمت المصالحة مع لباس قبيح فقط لأنه «موضة» مثلما تمت المصالحة مع محاربة الفساد، حتى فقدت قيمتها، على الأقل على لسان الفاسد، كما تمت المصالحة مع تشبيه الجشع والفاسد بدواعش الداخل، هكذا تصبح المفردات بين التجميل والموضة دون وقع أو رنين كما قيلت في المرة الأولى.