سبعون نكبةً ونكبة
71 عاماً على النكبة الفلسطينية، الاسم العربي لكارثة عام 1948 وقيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، ومنذ ذلك اليوم وحتى اللحظة، لم تتوقف النكبة عن تحقيق حضورها التراكمي، نكبةً وراء نكبة، والسبب الرئيس وراء تلك الآثار الكارثية كيان استيطاني وضع عام 1897 في مؤتمر «بازل» هدفاً واكتفى بوضعه، فيما كان اهتمامه ينصبّ على تحقيق هذا الهدف الذي تم إنجازه بعد خمسين عاماً.
إنجاز قام في البداية على القتل والتهجير والمذابح.. وفيما بعد انتهج اللاءات الثلاثة:
لا اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية.
لا انسحاب إلى خطوط الـ 1967.
لا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
لاءات ثلاثة مقابلة قلناها أيضاً في الخرطوم:
لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات..
ومن المضحك المبكي قراءة التاريخ وجدولة الإنجازات والانكسارات ومقارنة الاستراتيجية الصهيونية (الخطوة خطوة وإدارة الصراع)، بينما بعض الحكام العرب يثابرون على ممارسة استراتيجية الرجوع للوراء، وطعن الأشقاء والعمالة لأمريكا وربيبتها «إسرائيل».
نكبةٌ وراء نكبة منذ نشأة الكيان، حيث أساليبه تنوّعت ما بين مجازر عملية ميدانية ضد الشعب الفلسطيني، (مذبحة دير ياسين، كفر قاسم، مذبحة المسجد الأقصى، صبرا وشاتيلا ومخيم جنين…)، وبين الدبلوماسية الصهيونية والتي حققت الإنجاز نفسه ألا وهو (هزيمة أعدائهم تراكمياً) حسب العقل الإسرائيلي المدعوم أمريكياً دعماً ساهم في وصول «إسرائيل» إلى ما هي عليه اليوم.. فمع لاءات «إسرائيل» الثلاثة، وفي وجه لاءاتنا العربية، كانت البنود الأمريكية الثلاثة:
تعترف بحاجة «إسرائيل» لأن تكون «دولة» يهودية، وتقر بأن «حدود إسرائيل» لن تكون كما كانت عام 1967، وبأن أمريكا لن تفرض أي حل مستقبلي على «إسرائيل».. وستعمل على إمداد «إسرائيل» بالعتاد العسكري والمال.
ليتم بذلك تحديد الهدف ما بين «إسرائيل» وواشنطن، حسب اعتراف كيسنجر، بـ«تسويف الحل» وكسر البندقية الفلسطينية، من خلال وضع منظمة التحرير الفلسطينية بين فكّي كمّاشة الضربات العسكرية ومبادرات السلام، أي إن كيسنجر عدّ مبادرات السلام مثلها مثل الضربات العسكرية، وكلاهما نكبة عربية مضافة إلى النكبة الأم، وليكون عام 1998 اتفاق «واي ريفر»، الذي تم فيه التصويت برفع الأيدي والوقوف، إكسسوار حركات صهيونية ورهط حواريات، بينما الشهود الألف برفقة كلينتون، «يشنقون» الميثاق الوطني الفلسطيني المقرّ عام 1968، بتعديل 27 مادة منه من أصل 30، ولتُحلّ منظمة التحرير وتنظيماتها المسلحة.. لذلك، فإن كسر البندقية الفلسطينية لابدّ من أنه نكبة أيضاً.
وللتذكير، المادة 14 من الميثاق الملغى كانت:
مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي بذاته رهن بمصير القضية الفلسطينية، ومن الترابط ينطلق سعي الأمة العربية وجهدها لتحرير فلسطين، ويقوم شعب فلسطين بدوره الطليعي لتحقيق هذا الهدف القومي المقدّس.
هدف شبه متلاشٍ، خاصة أن نكبتنا تصل إلى حدّ إعلان أمريكا نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس واعترافها بها «عاصمة» للكيان المحتل، والتمهيد بتصريحات بشأن تفعيل «صفقة القرن» مع استمرار المدّ الاستيطاني اللاشرعي في فلسطين ليصل لأكثر من 800 ألف مستعمرة في الضفة الغربية، وإعلان ترامب حول الجولان السوري المحتل.
إن الأهداف العربية لن تتحقق في ظل موازين القوى، ولا في ظل التفاوضات، وإنما من خلال المقاومة لتغيير موازين القوى بشكل متراكم.
سبعون نكبةً ونكبة.. عمر طويل، ولابد من نهاية، وهذه النهاية لن تكون إلا بمشيئة سياسية قومية عربية موحدة.
m.albairak@gmail.com