ميدان لبنان يعيد تصويب بوصلة اللاجئين انسانياً فهل يتوقف الغرب عن استغلالهم كملف حرب ضد الدولة السورية؟

تشرين- مها سلطان:
من بين جميع الملفات المتعلقة باللاجئين السوريين لناحية دول اللجوء، كان لبنان الأكثر صخباً وتبرماً، فيما تركيا الأكثر انتهازية واستغلالاً وصولاً إلى الاعتداء (احتلالاً) على الأرض والسيادة السورية، ولا تزال.. وكان الأردن الأكثر استجراراً للأموال الدولية بموازاة صخب أقل لناحية المطالبة العلنية بعودة اللاجئين.. أما العراق فقد كان المضياف الأكثر احتواء.. فيما مصر الأكثر اندماجاً واستفادة ومنافع متبادلة.. الدول الخليجية كانت الأكثر استثماراً في السياسة وانعكاس ذلك على مسار العلاقات مع الدولة السورية.
أما الغرب فله حديث آخر لناحية إعطاء هذا الملف أبعاد حرب كاملة/موازية للميدان العسكري/ ضد سورية. حرب تزعمتها أميركا، مُحولة أكبر أزمة إنسانية يشهدها التاريخ الحديث (بعد أزمة الشعب الفلسطيني) إلى أكبر حالة استغلال اقتصادي لتدمير دولة وشعب، فلا تقم لهما قائمة ضمن خريطة إقليمية يُعاد رسمها في إطار عالم جديد يتشكل.
ولا تزال هذه الحرب (ملف اللاجئين) قائمة بكل أبعادها حتى عندما بدأ الميدان (الإقليمي) ينقلب، فاتحاً أبواب العودة أمام اللاجئين رغماً عن إرادة الغرب الذي لم يتأخر في إيجاد طرق استغلال جديدة لهذا الملف، وبعضها قديم لناحية الاستمرار في تخويف اللاجئين من العودة بزعم الاعتقال والحبس، والتجنيد والأوضاع الاقتصادية المتردية.. من دون أن يقترب- ولو قيد كلمة واحدة- من مسؤوليته في مساعدة هؤلاء اللاجئين على تحمل أعباء العودة وتكاليفها واستعادة حياتهم الطبيعية، أو العمل على تسهيل مهمة الدولة السورية في احتضان أبنائها العائدين، ولو قسرياً بفعل الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتوفير مستلزمات حياة كريمة لهم، رغم أن الدولة السورية كانت حضّرت مسبقاً سلسلة اجراءات تحتية/ ومعيشية (سكنية) وقانونية (بداية من اسقاط الـ100 دولار كرسوم عبور) مع الاحتفاظ بالحق الأمني لناحية التأكد من أوضاع جميع العائدين.. علماً أنه لم تسجل أي حالة اعتداء أو انتهاك لأي عائد منذ بدأت مؤشرات الحرب الإسرائيلية على لبنان قبل نحو شهرين، رغم أن جهات ومنظمات ووسائل إعلام، محسوبة على الدول نفسها المعروفة للجميع، كانت تشحذ أكبر سكاكينها للطعن بالدولة السورية.

فاتورة بسقف مفتوح تتجاوز المستطاع مع استمرار الفيتو الأميركي على عملية التعافي وإعادة الإعمار

باب فُتح
ولان لبنان كان الأكثر صخباً فيما يخص اللاجئين السوريين، شاء مسار الميدان أن تكون البداية منه، ليُفتح باب العودة، ومعه يُفتح باب المسؤولية المتعلقة بالمجتمع الدولي (دول ومنظمات وأمم متحدة) ليكون يداً بيد مع الدولة السورية في رفع معاناة اللاجئين، ولأن هذا المجتمع يتحمل بالأساس مسؤولية اتساع الحرب السورية وتداعياتها (وفاتورتها الباهظة جداً) خصوصاً على المستوى الإنساني.. ويتحمل مسؤولية التخاذل من جهة، والخضوع من جهة ثانية للفيتو الأميركي الذي يريد إبقاء اللاجئين السوريين ملف حرب ضد الدولة السورية.
ولأن الفاتورة ما تزال باهظة جداً، بل ترتفع بصورة متواصلة وبأرقام قياسية، في الداخل السوري، فكيف يكون الحال مع ملف اللاجئين العائدين والذي بات له وجه لبناني أيضاً مع نزوح عشرات آلاف اللبنانيين هرباً من الحرب الإسرائيلية؟.. ما يعني أن التكاليف باتت من دون سقف، مفتوحة باتجاه أعباء فوق المستطاع بفعل حرب العقوبات الأميركية المستمرة، وبما يمنع عملية إعادة الإعمار، التي ستوفر للسوريين، وللاجئين العائدين، البنية التحتية والمعيشية التي دمرتها الحرب على مدى 14 عاماً تقريباً.
بعد لبنان، يريد الأردن أن يفتح الباب لعودة اللاجئين. وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حلَّ في دمشق يوم الأحد الماضي لبحث هذا الملف ضمن ملفات أخرى ثنائية وإقليمية.
الرئيس بشار الأسد في لقائه مع الصفدي أكد أن «تأمين متطلبات العودة الآمنة للاجئين السوريين هي أولوية للدولة السورية» التي «قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة؛ لا سيما لناحية البيئة القانونية والتشريعية المطلوبة».
قبل لبنان والأردن كانت تركيا سابقة، وتم إعادة آلاف السوريين (إلى الشمال تحديداً) لكن الغايات الأساسية كانت تكريس حالة الاعتداء على الأرض وعلى السيادة السورية.

انقلاب المعادلة
بكل الأحوال، يبدو أن هذا الملف قد فتح وسيكون له تداعيات على أكثر من مستوى، لتنقلب المعادلة، فهو لن يكون فقط ملفاً ضاغطاً على الدولة السورية بل على المجتمع الدولي، ولكن لا تفاؤل كبيراً هنا إذا ما أخذنا بالاعتبار مسؤولية هذا المجتمع في اتساع وتعميق أزمة اللاجئين السوريين حول العالم، إما لأنه متواطئ أو تابع أو مرتهن أو ينأى بنفسه.. لا فرق.
مع ذلك فإن القضية ليست قضية مجتمع دولي، خصوصاً لناحية منظماته التي غالباً ما تكون في الواجهة، بل هي في من يدير ومن يقف خلف هذه المنظمات ويمنعها من أداء دورها، كما يقول السيد محمد الحلاق، عضو غرفة تجارة دمشق، الذي يؤكد بالتوازي أن الأهداف الغربية/الأميركية/ الكامنة وراء كل ذلك لن تتحقق، ما دام أنها لم تتحقق طيلة السنوات الـ14 الماضية منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية مطلع عام 2011.
ويرى السيد الحلاق أنه من أجل تغيير واقع الحال وفتح أبواب المنظمات الدولية الموصدة، ربما يحتاج الأمر إلى طريقة تعاطي مختلفة، بمعنى أن نعيد عرض الأزمة وفق قواعد جديدة باعتبار أن الظرف الإقليمي والدولي يختلف اليوم عما كان عليه في العقد السابق.. لنركز على ديمومة العرض الإنساني وتعميقه مقابل الاستغلال السياسي وبما يضع جميع الأطراف المعنية أمام مسؤولياتها.

د. مجدي الجاموس: الوضع المعيشي أصلاً ليس بالجيد فكيف يكون الحال مع إضافة أعباء اقتصادية جديدة.. الأسعار المرتفعة أساساً سترتفع أكثر وهي خلال الـ14 عاماً الماضية ارتفعت 6000%

المسألة نفسها ركز عليها الخبير الاقتصادي، الدكتور مجدي الجاموس، مشدداً على أن الأطراف أو لنقل المنظمات الدولية ليست منظمات مستقلة، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، وهي بمجملها تأسست أميركياً في أربعينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظماتها، حيث كانت أميركا فعلياً هي المنتصر الحقيقي. هذه المنظمات تمويلها أميركي بشكل شبه كامل، ولذلك هي غير مستقلة.
وبالعموم، ملف اللاجئين السوريين – يضيف د. مجدي- هو ملف سياسي أكثر منه اقتصادي، لذلك هو يتعلق بالإجراءات والاتفاقات السياسية، ولأنه كذلك فإنه لا يمكن التعويل بصورة كبيرة على دور دولي أو منظمات دولية.
بالمقابل – يتابع د. مجدي – يمكن التوجه نحو الإقليم، نحو دول عربية/ السعودية والإمارات مثلاً/.

د. مجدي الجاموس: ملف النزوح العكسي يضع مجدداً ملف الحصار والعقوبات الاقتصادية (وإعادة الإعمار) تحت المجهر الدولي رغم أنه فعلياً ملف سياسي اكثر منها اقتصادي 

لكن الأهم برأي د. مجدي هو أن عودة ملف اللاجئين من باب النزوح العكسي، إذا ما جاز لنا التعبير، يضع مجدداً ملف الحصار والعقوبات الاقتصادية (وإعادة الإعمار) تحت المجهر الدولي، خصوصاً في ظل ثبات القيادة السورية واستقرارها.. لنأخذ هنا المساعي التركية لإعادة العلاقات مع سورية، وزيارات مسؤولين عرب (ملف عودة العلاقات السورية/العربية).
لكنه ليس ملفاً سهلاً، يقول السيد محمد الحلاق، إذا ما أردنا توسيع بيكار أزمة اللجوء، وحالياً أزمة النزوح بوجهيها، عودة سوريين، ونزوح لبنانيين. عندما نتكلم عن نزوح لا بد أن نعرف الفترة الزمنية التي سيستغرقها، وبالعموم، وللأسف فإن الفترة الزمنية لأي أزمات داخلية أو خارجية، لا تكون بالقصيرة ولا تكون بالأزمة الصغيرة، وبالتالي لا بد أن نكون مستعدين.
 الاستعداد المشروط

لكن هذا الاستعداد مشروط دائماً بالإمكانيات المتاحة، يقول د. مجدي الذي يعرض للتداعيات الاقتصادية، مشيراً إلى أن الوضع المعيشي للسوريين أصلاً ليس بالجيد فكيف يكون الحال مع إضافة أعباء اقتصادية جديدة، الأسعار المرتفعة أساساً سترتفع أكثر، إذا ما أجرينا مقارنة بين عامي 2010 و 2024 (أي 14 عاماً) نجد أن الأسعار ارتفعت بنسبة 6000%. لكن هنا يجب أن نلفت إلى مسألة التفاوت المتعلقة بالعبء الاقتصادي الذي سيكون متركزاً بصورة أكبر في المدن الكبرى، دمشق مثلاً، ولا ننسى هنا من ضمن الأعباء أن مساحات الدمار في البنية التحتية ما زالت كبيرة جداً خصوصاً في الأرياف، بكل ما يتطلبه إعادة إعمارها من تكاليف وأعباء اقتصادية كبيرة. (أي نعود هنا إلى ملف إعادة الإعمار الذي هو في صلب ملف اللاجئين.. وإلى فواتير الإعمار التي تتجاوز عملياً الإمكانيات المتاحة للدولة السورية، وما يُفاقم من عمق الأزمة هو حرب الحصار والعقوبات المفروضة على سورية والتي تعيق كلياً إعادة الإعمار).

الحلاق: القضية ليست قضية مجتمع دولي خصوصاً لناحية منظماته التي غالباً ما تكون في الواجهة.. بل هي في من يدير ومن يقف خلفها ويمنعها من أداء دورها

في ظل ذلك يرى السيد الحلاق أنه في ظل الموارد المتاحة وهي قليلة، وفي ظل الإمكانيات الضيقة فلا بد من البحث عن خيارات داخلية لاحتواء الأعباء الاقتصادية، هذا بافتراض أن «الدعم الخارجي» قد لا يأتي، لا شك أن استهلاك الغذاء سيكون مضاعفاً بما ينعكس على مخزوناته، فإذا ما افتراضنا أن استهلاك سورية من الأرز اليوم 100 طن شهرياً فهو سيرتفع غداً إلى 120 طناً.. وقس على ذلك.

سيكون هناك حاجة لتقاسم المتاح وتقاسم الأعباء وتقاسم مهمة تخفيفها بين كل الجهات، مؤسسات ومنظمات ومجتمع أهلي وحتى أفراد.
على سبيل المثال، يضيف السيد الحلاق: نحن كغرفة تجارة لنا دور على الأرض (وهو برأيي دور مهم)، بالتعاون مع غيرها وهو مؤطر عملياً باتحاد غرف التجارة أو اتحاد غرف الزراعة أو اتحاد غرف السياحة.. الخ . يقول المثل إذا جارك بخير أنت بخير. هناك أزمة/حرب/ في الجوار، وإذا لم يكن هناك حل أو تسوية سنكون مأزومين على المدى الطويل، ونحن بالأساس مأزومين. نحن اليوم لدينا أزمة فوق أزمة.

الحلاق: ملف اللجوء/النزوح ليس ملفاً سهلاً إذا ما أردنا توسيع بيكار الأزمة.. وقد يحتاج فتح أبواب المنظمات الدولية طريقة تعطي مختلفة على قاعدة أن الظرف الإقليمي والدولي مختلف اليوم

لكننا لا نستطيع إلا أن نكون مع اللاجئين (والنازحين اللبنانيين) وأن نحتضنهم بصرف النظر عن أي اعتبارات، يقول د. مجدي الذي يرى أن ملف اللاجئين لا ينفصل عن ملف الحصار والعقوبات، جميعها ملف متكامل وهو كما قلنا ملف سياسي أكثر منه اقتصادي، والهدف دائماً ممارسة الضغط على الدولة السورية، لذلك لا بد أن نكون واقعيين، فهذا الملف المتكامل يكون حله متكاملاً.

 التباكي الدولي
اليوم بعد أن فتحت الحرب الإسرائيلية على لبنان أبواب العودة، قسراً عن الإرادة الأميركية، بدأ المجتمع الدولي يذرف دموع التماسيح على العائدين الذين يغادرون إلى قراهم المدمرة وإلى مساكنهم التي لم يبقَ منها إلا الأطلال، وإلى صفر فرص عمل، وإلى الحد الأدنى من الوضع المعيشي. مع ذلك نحن لا نحتاج إلى تذكير المجتمع الدولي بمسؤولية وتجاهله المسؤولية الأميركية عن هذا الحال. نحن نقول لننسى ما سبق وليبدأ المجتمع الدولي ومنظماته بتحمل مسؤولياتهم الآن، فإذا لم يكونوا بصدد المساعدة في دفع فواتير العودة والأعباء الاقتصادية الباهظة، فليساعدوا في رفع العقوبات أو التخفيف منها، على الأقل.. وبعدها فإن الدولة السورية قادرة على انجاز مهمة استيعاب اللاجئين وتمكينهم من استعادة حياتهم الطبيعية، وتالياً ستكون قادرة على انجاز مهمة إعادة الإعمار على طريق التعافي من تداعيات الحرب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار