عالم الـ«بريكسيين»‏

بين شرق وجنوب.. ميدان يتشكل ويتوسع بين روسيا/الصين «بريكس» والغرب ‌‏«أميركا» علماً أنه ميدان لا يبدو منطقياً ولا مفهوماً «في الظاهر» فهو معقد ‏ومتشابك ومتداخل إلى درجة كبيرة بحيث لا يمكن تخيل أو التنبؤ بشكل العالم الجديد ‏الذي يُفترض أنه في مخاض التشكيل، كما لا يمكن التنبؤ ما إذا كان هذا المخاض ‏سيتحول حرباً عالمية ثالثة، أم إن الميدان سيبقى ضمن قواعد الاشتباك التي تريدها ‏أميركا وتسعى لضبطها والسيطرة عليها، خصوصاً في الشرق الأوسط. ‏
فإذا ما كانت مجموعة بريكس «التي يمكن تسمية أعضائها- والساعين للانضمام إليها ‏والمؤيدين لها- اصطلاحاً مجموعة البريكسيين، كما مصطلح الأطلسيين على سبيل ‏المثال».. إذا ما كان (البريكسيين) الذين اجتمعوا في قازان/ روسيا بين 22 و24 تشرين ‏الأول الجاري، يشكلون نصف العالم الجغرافي والديمغرافي، فإن نصف هذا النصف ‏يشكله الشرق الأوسط.. وفي الشرق الأوسط أهم حلفاء الولايات المتحدة ‏الاستراتيجيين، حلفاء لم يعودوا حلفاء أو بعبارة أدق، لم يعودوا تابعين، وفي الشرق ‏الأوسط توجد «إسرائيل»، وفي الشرق الأوسط «حرب» لها ارتباط مباشر بمجموعة ‏بريكس، ألم تضم مجموعة بريكس مؤخراً أهم دول الشرق الأوسط بما تشكله من ثقل ‏لا يمكن تجاوزه في سوق الطاقة العالمي، وهي الدول نفسها التي لا تزال ضمن ‏الحلف الأميركي، حتى الآن على الأقل؟
هذا التداخل والتشابك هو ما يجعل ميدان المواجهة أوسع، وفهمه أصعب، لناحية ‏التوقع والتنبؤ، ولناحية أن كل السيناريوات واردة، وفي بعضها كارثية إذا ما تحققت.‏
أيضاً.. ألم تضم مجموعة دول «بريكس» أهم الدول الإفريقية في سوق الطاقة ‏العالمي، وهناك دول أخرى تستعجل الانضمام، وهذا ما سيتم تباعاً في القمم المقبلة، ‏أليست هي الدول نفسها التي كانت مرتع نهب واستعباد للغربيين/ الأطلسيين، بزعامة ‏أميركا، وهي اليوم تكاد تغلق هذه الصفحة بصورة نهائية؟
لا شك في أن الغرب الأميركي يعتبر بريكس تهديداً حقيقياً، ولكن بعد قمة قازان لا بد من أن ‏يكون أكثر قلقاً وأكثر استعداداً. احتشاد «البريكسيين» في قازان وتحلقهم حول روسيا ‏ورئيسها فلاديمير بوتين، كان فيه رسائل واضحة جداً، لا شك وصلت.. روسيا ليست ‏في عزلة، بل على العكس تماماً.. جاذبية بريكس لا تقاوم، والغرب ليس بيده حيلة. ‏
إذاً.. لا بد من تقديم تنازلات، هكذا تنصح صحيفة «شبيغل» الألمانية. لا بد من ‏التخلي عن عقلية الهيمنة والاستغلال والسلب ومعاملة البلدان النامية على قدم المساواة ‏ومعالجة أزماتها بشكل جدي، تضيف «شبيغل». عدا ذلك فإن بريكس ستسود ‏وتسيطر.‏
لكن السؤال ليس فيما إذا كان الغرب سيقبل النصيحة، ولكن فيما إذا كان فات الأوان ‏على النصح في ظل أن مجموعة بريكس تجاوزت مؤخراً مجموعة السبع في ‏الجغرافيا وعدد السكان وفي المعايير الاقتصادية وفق بيانات الغرب نفسه، هذا من ‏جهة.. ومن جهة ثانية أن الدول المعنية كما يبدو اتخذت قراراً نهائياً باتجاه بريكس، ‏وليست بصدد التراجع.‏
الرئيس بوتين يقول: سر نجاح بريكس في الاحترام. دولنا تحترم بعضها البعض، في ‏الديانة والثقافة والعادات والتقاليد. إنها المساواة الجامعة، وهذا ما لا يفهمه الغرب، ولا ‏يريد أن يفهمه. ‏
هذا لا يعني أن الغرب سيسلم بواقع الحال، بل إن المواجهة ستكون أخطر والميادين ‏ستكون أوسع وأشد فتكاً.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار