على استحياء.. الغلاء يفاقم الهوّة بين المؤونة والأسر الفقيرة والتكاليف زادت ثلاثة أضعاف عن العام الماضي

درعا – وليد الزعبي:

بدأ موسم المؤونة لهذا العام على استحياء، إذ إن معظم الأسر لا تقوى على شراء احتياجاتها من المحاصيل الزراعية التي عادة ما تموّنها لتسدّ بها جزءاً من متطلبات غذائها في غير موسمها، وسلة المؤونة كما هو معروف تتنوع بين البرغل والفريكة وورق العنب والملوخية والبامياء ودبس البندورة والمكدوس والزيتون وزيت الزيتون، وكانت تضاف لقائمتها أنواع أخرى عندما كان وصل الكهرباء مستمراً يتيح تخزينها في البرادات المنزلية (فريزة)، لكن بالعموم، من يوفق في وضع مؤونة لأسرته هذه الأيام هم ميسورو الحال، إضافةً للفلاحين الذين لديهم إنتاج ذاتي من المحاصيل المطلوبة للمؤونة.

“البرغل والبازلاء والثوم والملوخية والمكدوس” أساسيات وكأنه يعزّ وجودها

تنحصر بالفلاحين
أخذت مؤونة البرغل في السنوات الأخيرة تقتصر على الفلاحين أنفسهم، الذين يزرعون محصول القمح، وقلة من يشترون القمح لهذا الغرض، حيث أوضح عدد من أرباب الأسر أن سعر كيلو القمح مغربلاً نظيفاً يزيد على ٦٥٠٠ ليرة، وهو يحتاج إلى سلق ونشر وجرش، ما يجعل تكفلة كيلو البرغل بالنهاية ما يقارب ١٥ ألف ليرة.

صعب المنال
وكانت مؤونة ورق العنب صعبة المنال هذا الموسم، إذ تضاعف سعرها هذا العام قياساً بالعام الفائت، ولم يقل الكيلو من الورق البلدي عن ٣٥ ألف ليرة، وأمام رغبة النساء بمثل هذه الوجبة المحببة لديهن أكثر من الرجال، فإن بعض الأسر، حسب ما ذكرت الموظفة أم أحمد، اشترت القليل من ورق العنب وبحدود ثلاثة إلى أربعة كيلوغرامات، تم وضعها في عبوات بلاستيكية (فوارغ الكولا أو المياه المعدنية) من السعات الكبيرة والمتوسطة، وحال مؤونة البازلاء على المنوال نفسه، حيث غدا “تيبيسها” هو المعتمد وليس وضعها في البرادات، لكنها هي أيضاً لا تموّن إلا بكميات محدودة لغلاء ثمنها، علماً أنها مطلوبة وضرورية لبعض الوجبات.

كميات قليلة
وبالنسبة لمؤونة الملوخية الخضراء، فهي تباع (مقطفة خضراء) ما بين ٢٠ إلى ٢٥ ألف ليرة، في حال كانت من النوعية الجيدة وأول جنيها من المَزارع، وقد تقل عن ذلك في حال كانت بجودة أقل وجنيها من المزارع يعد الثاني أو الثالث.
وذكر العامل أبو عمر أن الأسرة إذا رغبت بشرائها مع أغصانها أو (عروقها) وتقطيفها في المنزل، فإن سعر الكيلو يتراوح حسب الجودة من ٢٥٠٠ إلى ٣٥٠٠ ليرة، وكل ٤ أو ٥ كيلو تجمع تقريباً كيلو واحداً من الورق، وهناك أسر ميسورة تلجأ إلى أسر أخرى ضعيفة الدخل لتجهيز مؤونة الملوخية، حيث تشتري الكمية المرغوبة وترسلها إلى منزل من يعملون على قطف أوراقها مقابل أجر ٣٥٠٠ عن كل كيلو ورق، أما إذا رغبت الأسر الميسورة بالملوخية مجففة جاهزة للمؤونة، فإن الأسر التي تعمل بقطفها مستعدة لتجهيزها لكن بقيمة أعلى، وبالعموم، فإن معظم الأسر الفقيرة لم تعد تموّن سوى القليل من الملوخية لارتفاع تكلفتها هي الأخرى.

مؤونة المنتجات الحيوانية وزيت الزيتون..هل أصبحت ضرباً من الخيال؟

حلّقت سريعاً
وبالنظر إلى الثوم، فقد تعذر على أغلبية الأسر شراء ما يحتاجونه من مؤونة، وذلك لكون سعره لم يستقر عند مستويات مقبولة، بل حلّق في ذروة موسمه إلى حدود خارجة عن طاقة الأسر المحدودة الدخل.
وحسب متابعين، فحالياً يباع الكيلو منه للصنف الصيني بقيمة ٧٥ ألف ليرة، فيما البلدي للنوع عالي الجودة أكثر من ذلك، ويرجح كثيرون أن سبب ارتفاع السعر في “عزّ” الموسم يعود لاحتكار المادة طمعاً في فتح الأبواب لتصديرها، أما البصل، فإن العائلات تعتمد على البصل “الفريك” لسعره المحمول ٣٥٠٠ ليرة للكيلو بمقابل ٩ آلاف للبلدي أو السلموني، وعلى ما يبدو فإن الأسعار عندما يحين موعد المؤونة من البصل لن تهاود، وبالتالي لن تخزن الأسر إلا كمية محدودة منه، لكون السعر مرتفعاً وتخزين البصل بمنزلة المغامرة، لأنه قابل للتعفن والتلف في حال تعرضه للرطوبة.

الرغبة محدودة
أما لجهة البامياء، فهي غير مرغوبة كثيراً إلا لدى البعض من أفراد العائلة، ويلاحظ أن الأب والأم هما من يفضلانها، بينما لا يتقبلها معظم الأبناء، وهي أيضأ بسعر مرتفع، وفي حال رغبت بعض الأسر بوضع مؤونة منها فلن تزيد على ٤ كيلو خضراء، حيث إن سعر الكيلو للنوعية الجيدة ومن الحجم الصغير المرغوب للمؤونة يصل إلى نحو ٢٠ ألف ليرة، وهناك أسرّ تقوم بتجهيز مؤونة البامياء لأي شخص يطلبها بأجرها، وتقديمها منزوعة الأقماع ويابسة، ومنها ما هو فرط أو على شكل قلائد حسب الطلب، كما أن بعض الأسر تشتري الخيار والقثاء واللفت وتصنع منها المخللات، لكن بكميات محدودة لارتفاع تكاليفها، علماً أنها بذلك توفر الكثير بالقياس لأسعار المخللات الجاهزة في السوق.

أكبر التكاليف
ليس ببعيد موعد البدء بمؤونة دبس البندورة والمكدوس، وبالنسبة لدبس البندورة، فيقتصر تجهيزه على بعض العائلات الريفية أو تلك التي تزرع البندورة، فيما أغلبية الأسر -حسب ما ذكر المتقاعد أبو فادي- وخاصةً في المدن، تشتري هذه المادة أولاً بأول، أو تشتريها من مشاغل ريفية ومن بعض معامل الكونسروة، وتقوم بنشرها حتى تجف وتزيد كثافتها، ومن ثم تقوم بوضعها كمؤونة بعبوات مناسبة.
لكن إذا أتينا على المكدوس، فهو الأكثر تكلفة، ويتوقع أن تقل مؤونة الأسر منه هذا العام عما كانت عليه في السنوات الفائتة، لأن سعر الباذنجان والفليفلة والثوم والجوز والزيت الداخلة في تحضيره ارتفعت كثيراً، ولا قدرة للأسر الفقيرة على احتمال نفقات تجهيز كمية كبيرة تكفيها منه، وقد تقتصر على ٢٠ إلى ٣٥ كغ باذنجان في أحسن الأحوال، وبحشوة قليلة من الفليفلة وبلا جوز أو باستخدام القليل من الفستق العبيد بدلاً من الجوز، ولن تكون تكلفة مؤونة الزيتون في آخر شهر أيلول وأول شهر تشرين الأول القادمين هيّنة على الكثير من الأسر بعد أن حلقت أسعاره واحتمال تضاعف سعره هذا الموسم بالقياس للموسم الماضي، فيما زيت الزيتون الذي كانت تضع كل أسرة مؤونة منه صفيحتين إلى ثلاث أو أكثر (سعة الواحدة ١٦ كغ)، لم تعد مؤخراً تضع مؤونة منه إلا قلة قليلة جداً من تلك الأسرّ، فيما الأغلبية العظمى، باتت تشتري هذه المادة أولاً بأول وبعبوات صغيرة جداً، قد لا يزيد وزنها عن نصف كيلو.

مدير الزراعة: ٢١١٠ هكتارات مساحة الخضار الصيفية.. والإنتاجية متميزة كمّاً ونوعاً

ضرب من الخيال
لن نتوسع بمؤونة المنتجات الحيوانية من لبنة (مدعبلة) وجبنة بيضاء وكشك و”جميد” وسمن بلدي، التي أصبحت أسعارها ضرباً من الخيال، حيث بين أحد مربي الثروة الحيوانية أنها وصلت للكيلو الواحد من السمن العربي على سبيل المثال إلى ١٥٠ ألف ليرة، ومن “الجميد” ١٢٥ ألفاً واللبنة المدعبلة ٥٠ ألفاً، وهي أسعار غير مستقرة وقابلة للارتفاع حسب تكاليف الإنتاج المتبدلة صعوداً في كل فترة من الزمن، وخاصة لجهة قيمة العلف.

ذروة الموسم
مدير زراعة درعا المهندس بسام الحشيش، ذكر أن جني الخضار الصيفية للعروة الرئيسية في ذروة موسمه، وهي تشمل جميع الأنواع، ومنها تلك التي تقوم الأسر بوضع مؤونة منها، كالبندورة والباذنجان والخيار والفليفلة والملوخية والبامياء، لافتاً إلى أن المساحة المنفذة بالخضار الصيفية للموسم الجاري تبلغ ٢١١٠ هكتارات، بزيادة ٧٩ هكتاراً عن المخطط.
وبيّن أن الفلاحين في درعا لديهم خبرة واسعة في زراعة مختلف الخضار والوصول بها إلى إنتاج متميز كماً ونوعاً، علماً أن مديرية الزراعة تؤمن للمزارعين مادة المازوت اللازمة وفق آلية وضوابط محددة.
وكشف مدير الزراعة أن الإنتاج المقدر من الخيار حوالي ١٠ آلاف طن ومن الباذنجان ٣٤٨٧٥ طناً والفليفلة ١٨٦٧٥ طناً والملوخية ٣٠٠ طن والبامياء ٩٤١ طناً، أما الثوم فبلغت المساحة المنفذة به فعلياً ٣٣٤ هكتاراً، وتصل إنتاجية الدونم الواحد لنحو ٢٥٠٠ كغ، فيما يقدر الإنتاج الإجمالي للموسم الحالي بحدود ٨٦٠٠ طن من الثوم الطازج، وفقاً للمساحة المزروعة.

إنتاج متميز
من جانبه، ذكر رئيس دائرة الإرشاد الزراعي المهندس محمد الشحادات أن الخضار الصيفية تزرع على عروتين رئيسية وتكثيفية، ويتم الوصول إلى إنتاج متميز لجهة الجودة والكمية، حيث تطبق طرق الري الحديث بالرذاذ والتنقيط في أغلبية الحقول، كما لا يبخل المزارعون لجهة تقديم الرعاية المطلوبة من تعشيب ووضع الأسمدة ورش المبيدات وتنظيم عملية الري، ودائرة الإرشاد الزراعي عبر وحداتها المنتشرة في مختلف أرجاء المحافظة لا تدخر جهداً في سبيل تقديم المشورة حول طرق الزراعة ورعاية محاصيل الخضار وغيرها والإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات في حال ظهورها.

تكاليف مرتفعة
وأشار الشحادات إلى أن خضار درعا تغطي حاجة المحافظة، كما تورد كميات كبيرة منها إلى محافظات أخرى، وهي ذات شهرة عالية ومرغوبة لاستهلاك المائدة والتخليل والمؤونة والتصنيع.
ولجهة المؤونة، بيّن أن تكاليف الزراعة باتت مرتفعة جداً، وهذا ما زاد من أسعار منتجات المحاصيل على اختلافها، لدرجة أصبحت بمنزلة العائق الكبير أمام الأسر الفقيرة لوضع المؤونة التي تكفي احتياجات أفرادها، علماً أن أسعار بعض الخضار زادت بمقدار الضعف أو الضعفين عن العام الفائت، وهذا ما يعني تحييد أنواع منها من لوائح مؤونة الأسر، أو تقليل كمياتها إلى الحدود الدنيا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار